مقالات

أ. د. لطفي منصور في ذِكْرى الإسْراءِ والْمِعْرَاج:

مِنَ الْمُعْجِزاتِ الَّتِي تَوَّجَتِ الرِّسالَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ حادِثَةُ الإسْراءِ والْمِعْراجِ الَّتِي حَدَثَتْ والرَّسول عليهِ السَّلامُ في مَكَّةَ قَبْلَ الهِجْرَةِ، تَعْزِيزًا لِرِسالَتِهِ، وإثْباتًا لِصِدْقِ نُبُوَّتِهِ.
فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وَتَعالَى أنْ يَمْنَحَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا رِحْلَةً أرْضِيَّةً سَماوِيَّةً، لِيوقِفَهُ عَلَى
أخبارِ السَّماواتِ الْعُلَا، وَما فيها مِنَ الأَنْبِياءِ وَالصَالِحين، وَأَنْ يَرَى الْجَنَّةَ وَما فيها مِنَ النَّعيمِ الذي أَعَدَّهُ اللَّهُ لِعِبادِهِ الْمُتَّقينَ، وَأَنْ يَرَى النَّارَ وَما بِها مِنْ عَذابٍ لِلْفَسَقَةِ الْكَفَرَةِ الْمُشْرِكينَ والْمُلْحِدينَ، لِيَنْقُلَ ما شاهَدَهُ هذا إلَى أُمَّتِهِ، وَإلَى شُعوبِ الْعالَمِ أجْمَعَ (وَما أرْسَلْناكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ).
وَلِعُلَماءِ السِّيَرِ ثَلاثَةُ أقْوالٌ في رِحْلَةِ الإسْراءِ والْمِعْراجِ هِيَ:
– الإسْراءُ والْمِعْراجُ تَمّا بِالرُّوحِ والْجَسَدِ مَعًا.
– الْإسْراءُ وَحْدَهُ تمَّ عَلَى البُراقِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ في مَكَّةَ إلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى في بَيْتِ الْمَقْدِسِ. ثُمَّ عُرِجَ بالنَّبِيِّ مِنْ فَوْقِ الصَّخْرَةِ الْمُشَرَّفَةِ إلَى السَّماءِ السّابِعَةِ.
– رِحْلَةُ الإسْراءِ والْمِعْراج هيَ رُؤْيا لِلنَّبِيِّ رَآها في مَنامِهِ، في بَيْتِ أُمِّ هانِئٍ عَمَّتِهِ أوِ ابْنَةِ عَمَّتِهُُ، وَرُؤْيا الأنْبِياءِ حَقٌّ كَفَلَقِ الصُّبْحِ.
هَذِهِ الأقْوالُ كُلُّها صَحيحَةٌ لَوْ تَعَمَّقْنا في فَهْمِنا.
بِالنِّسْبَةِ لِلْقَوْلِ الأوَّلِ لَيْسَ صَعْبًا عَلَى اللَّهِ. لِأنَّ الْحَدَثَ عِنْدَ اللَّهِ يَتِمُّ بِقَوْلِهِ: “كُنْ فَيَكونَ”. هنا لا عَلاقَةَ لِلْجَسَدِ في القُدْرَةِ عَلَى الرِّحْلَةِ أوْ لا. فيكفي أنْ يَقُولَ سُبْحانَهُ: كُنْ يا مُحَمَّدُ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَها جَنَّةُ الْمَأَوَى فَيَكونُ، لا زَمَنَ هُنا وَلا مَسافَةَ، إنَّما هيَ قُدْرَةٌ إلَهِيَّةٌ لِإبطالِ النّاموسِ. النّاموسُ يَقٍتَضِي أنَّ الْماءَ مُغْرِقٌ، وَأَنَّ النّارَ مُحْرِقَةْ، وأنَّ الْهَواءَ شَفّافٌ، وَأَنَّ الشَّمْسَ تَبْزُغُ مَنَ الشَّرْقِ، وَتَغْرُبُ في الْغَرْبِ، لَكِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلَى إبْطالِ ذَلِكَ.
القَوْلُ الثّانِي بِشَأنِ الإسْراءِ عَلَى البُراقِ، وهوَ دابَّةٌ فَوْقَ الحمارِ وَدُونَ الفَرَسِ، خُطْوَتُهُ عِنْدَ وَقْعِ نَظَرِهِ. عَلَى هذا الْبُراقِ كانَ سَفَرُ الأنْبِياءِ. وَلَيْسَ هُناكَ أَدَلُّ عَلَى وُقُوعِ الإسْراء وَأَقْوَى من سُورَةِ الإسْراءِ، الآيَةُ الأُولَى مِنْها وهي؛ “سُبْحانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدَهُ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ”، ثُمَّ تَأتي الأحادِيثُ النَّبَوِيَّةُ الشَّريفَةُ مِنَ الصّادِقِ الصَّدوقِ، الذي لَمْ يُعْهَدْ عليْهِ الْكَذِبُ قَبْلَ الرِّسالَةِ وَلا بَعْدَها.
مِنْ أَهَمِّ الْمَصادِرِ عَلَى عُروجِ الرَّسولِ إلَى السَّماءِ السَّابِعَةِ هو القُرْآنُ نَفْسُهُ، سورةُ النَّجمِ الآيات ١٣، ١٥، ١٦. ثُمَّ صَحيحُ الْبُخاري (ت٢٥٦هج) في مُقّدِّمَتِهِ، يليه كِتابُ الْعَرْشِ لِشَمْسِ الدِّينِ الذّهَبي (ت٧٤٨هج).
القَوْلُ الثّالِثُ وَرَدَ الْحَديثُ عنُ رُؤْيا الأنبياءِ، وهي صادِقَةٌ أيضًا.
تحذير: وردَ في صَحيحِ البخاري في المقدِّمَةِ وليسَ في أحاديثِ الرَّسولِ عليهِ السَّلام أنَّ النَّبِيَ
محمَّدًا كان يستَشيرُ موسى عليهِ السَّلامُ في عَدَدِ الصَّلَواتِ المكتوبَةِ عَلَى الْمُسْلِمينَ، هذا مِنَ الإسرائِلياتِ الْمَدْسوسَةِ عَلَى النَّبِيَّيْنِ وهما بَراءٌ منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق