مقالات
الديانات التوحيدية الثلاث (اليهودية، المسيحية والإسلام)
أ.د. حنا عيسى – أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات
ما انت، يا من تظن ان عقيدتك خير عقيدة، فكيف عرفت ذلك؟ هل اطلعت على كل العقائد، الشرقية منها والغربية، ما ظهر وما سيظهر؟ اليس لكل صاحب عقيدة اخرى نفس الحق في ان ينظر الى عقيدته على انها أفضل العقائد ” باروخ سبينوزا”
اولئك هم الذين ما فهموا من الدين إلا قشوره واللوم في ذلك ليس كله عليهم بل هو بالدرجة الأولى على رجال الدين الذين جعلوا منه سلسلة طقوس وتقاليد قد تُدغدغ العين والأذنإلا انها تترك القلب بارداً والفكر شارداً والروح في عطش ممض وعطش قتال ” ميخائيل نعيمة “
يتشابه في الدين الانجليزي والزنجي والعربي والهندي والفقير والغني لان الدين لاوطن له، ولكنك لا تجد وطنا لا دين له “جرجيزيدان “
كل الاديان والفنون والعلوم هي في الحقيقة فروع لنفس الشجرة وكل هذه المناهج موجهة نحو رفع الانسان وإرشاده نحو الحرية الفردية “اينشتاين”
إذا سألنا زرادشت وصولون وسقراطوشيشرون نجدهم قد عبدوا سيدا وقاضيا وأباً. فهذه العبارة ضرورية للإنسان وهي للألفة رباط مقدس وللعدل اساس وطيد وللشر لجام كابح وللخير رجاء صالح. ولو لم يكن هذا الاله موجوداً لدعت الضرورة الى ان يُختَرَع وجوده ” فولتير “
مقدمة:
يعتبر المؤمنون بأن الكون كله لله، وهو مسخر للإنسان ، وتتفق الأديان أيضا في الاعتراف بواقع الحياة العملية في كل العصور، من تفاوت بين الناس في الثروة ووجود الغنى والفقر في المجتمعات، وهذا الاعتراف لا يعني بتاتاً إلا قرار بالظلم الاجتماعي بين أبناء الشعوب والأمم ، ولا يعني أن يترك الفقراء والمحرومين والمظلمين عرضة للجوع والحرمان والمهانة والذل والإهمال وفقدان الكرامة الإنسانية، ولا يعني التسامح الديني أن تترك الجريمة والمجرمينالآثمون بدون عقاب أو حساب، بل توصي وتقرر الأديان مساعدة الفقراء ودعمهم وبرهم ورعايتهم في جميع مجالات الحياة، وتنهى عن استعباد البشر وسلب حرياتهم وإلحاق الأذى والظلم بهم بأي شكل وبأي نوع مهما كان كبيراً أو صغيراً .
ومن اجل الوصول إلى هذه الغايات النبيلة والمقاصد العظيمة فقد سلكت الأديان الثلاثة (الإسلاموالمسيحية واليهودية) طرقاً شتى ومختلفة، وأعرض حول ذلك بعضاً من مبادئهم ومواقفهم الخالدة في رعايا الفقراء والعناية بالمحتاجين ومقاومة الظلم والظالمين والمجرمين الآثمين.
اليهودية
اليهودية هي أقدم الديانات الإبراهيمية حيث تعود بحسب التقليد اليهودي إلى موسى في مصر أثناء وجود بني إسرائيل العبرانيين فيها، ويقدر عدد معتنقيها بين 13.2 إلى 15.4 مليون يهودي، رغم أن تعداد اليهود في حد ذاته يعتبر قضية خلافية حول قضية “من هو اليهودي؟، الكتاب المقدس الذي أنزل على موسى في عقيدة اليهود هو التوراة، والديانة اليهودية هي ديانة غير تبشيرية، اي ان تعاليم اليهود اليوم لا تسمح للآخرين بالانتماء إليها، ويعتقد الشعب اليهودي أنه يخدم ربه بالصلاة ومراعاة الوصايا التوراتية كما يعتقد أنه هو الشعب الحامل للرسالة، وليس لغيرهم الحق في ذلك. تؤمن اليهودية بالافتداء والخلاص والنجاة لكنها تختلف عن العديد من الديانات الأخرى في أن السبيل إلى الخلاص والنجاة في الحياة الأخرى لا يكون بالعقيدة وإنما بالأفعال، أي أن الأفعال الصالحة هي التي تمكن البشر من النجاة وليس العقيدة التي يتبعونها.
إن فكرة الكهنوتية لم تكن من اختراع اليهود بل هي تقليد لما كان في العبادات الوثنية، فقد اعتقد اليهود في مرحلة متقدمة من تاريخهم متأثرين بالشعوب التي عاشوا بينها ان للإله رغبات لا يستطيع ان يعرفها الاشخاص العاديون انما هناك من لهم القدرة على فهم اللغة الالهية التي كانت عبارة عن علامات لا يستطيع عامة الشعب فهمها، ولم تكن مهمة الكاهن تقتصر على اقامة الشعائر الدينية بل كانت تتعدى الى مهمة تعليمية، فقد كان الكاهن يعلم التوراة ويقوم بالإفتاء في امور الدين وكتابة نصوص العهد القديم وتقديم القرابين واقامة العبادات في المعبد. والكهنة هم المسئولون عما في الديانة اليهودية من عقائد وثنية نقلوها عن الشعوب التي عاشوا بينها كتقديس بعض المرتفعات وبعض انواع الاشجار كشجر البلوط وبعض الشواهد، واقتبس الكهنة من الوثنيين كثيرا من شرائعهم واحتفالاتهم واعيادهم وطقوسهم ولعب الكهنة دورا كبيرا في توجيه نصوص العهد القديم وشرائعه الى الوجهة التي تتفق مع مصالحهم، وقد حددت نصوص العهد القديم واجبات وحقوق الكهنة فمثلا الاصحاح الاول لسفر اللاويين يشرح كيفية تقديم القرابين، ويحدد اسفار اخبار الايام الاول الاصحاح السادس عشر الفقرات 4 ـ 6، 27 الخ، توزيع بعض الوظائف بين الكهنة وكان الكاهن يعتبر الحافظ للشريعة من الضياع.
اما الوصايا العشر حسب ما ورد في العهد القديم فقد نقشت على لوحين من الحجر يسميان بلوحي العهد او الشهادة، والوصايا هي:
ـ انا الرب إلهك الذي اخرجك من ارض مصر من بيت العبودية لا تكن لك الهة اخرى امامي.
ـ لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الارض من تحت وما في الماء من تحت الارض لا تسجد لهن ولا تعبدهن ولأني انا الرب إلهكافتقد ذنوب الاباء في الابناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي واصنع احسانا الى الوف من محبي وحافظي وصاياي.
ـ لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا لان الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلا.
ـ اذكر يوم السبت لتقدسه ستة ايام تعمل وتصنع جميع عملك واما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك لا تصنع عملا ما انت وابنك وابنتك وعبدك وأمتكوبهيمتك ونزيلك الذي داخل ابوابك.
ـ أكرم اباك لكي تطول ايامك على الارض التي يعطيك الرب إلهك.
ـ لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة زور، لا تشتهي بيت قريبك ولا تشتهي امرأة قريبك ولا عبده ولا امته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك.
والوصايا حسب ما يعتقد اليهود كلمات الرب لموسى عليه السلام على جبل سيناء وتوحي النصوص في العهد القديم تارة انها وصلت الى موسى مكتوبة وتارة مسموعة وتوجد نسختان من هذه الوصايا تختلفان بعض الشيء نسخة في سفر الخروج من الاصحاح الخامس الفقرات 2 ـ 17، ونسخة في سفر التثنية في الاصحاح الخامس الفقرات 6 ـ 21 وعلاوة على هاتين النسختين فهناك بعض الفقرات تتضمن مضمون الوصايا مثل الاصحاح 34 من سفر الخروج الفقرات 10 ـ 26 ففي هذه الفقرات نهي عن عبادة الالهة الاخرى وتحريم نحت التماثيل وامر بالراحة يوم السبت ومما لا شك فيه ان هذه الوصايا بصورتها الحالية لا يمكن ان ترجع الى عهد موسى لان الوصايا تناقلتها الاجيال وعدلوا فيها وحرفوا فيها والا لما كنا نجد اختلافا بين نسختي الوصايا في الخروج والتثنية.
طوائف اليهود الرئيسية
– اليهودية الأرثوذكسية: تعترف بكل التوراة والتلمود، وتقبل كل النواميس، وتعتقد أن الله أوحى بذلك كله إلى موسى مباشرة في جبل سيناء.
– اليهودية الإصلاحية: بدأت مــع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، إذ شكك بعض اليهود في كيفية ظهور الكتب المقدسة، وانتهوا إلى الزعم بأن التلمود عمل بشري غير موحى به، ومن ثم ضعفت مصداقيته لديهم. ولا يؤمن هؤلاء إلا بالتوراة. ويعتقد الإصلاحيون أن التعــاليم الأخلاقية والسلوكية أهم أجزاء اليهودية، ولا يولون أهمية للطقوس بل إنهم نبذوا كثيرًا من التقاليد.
– اليهودية المحافظة: (التراثية) نشـــأت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، ورغم إيمانهم بالتوراة والتلمود، إلا أنهم ذهبوا إلى وجوب تفسير النصوص المقدسة في ضوء المعارف العلمية الحديثة والثقافة المعاصرة. وهم كاليهود الإصلاحيين لم يهتموا كثيرًا بالطقوس.
واليهودية وقفت ضد الفساد والظلم، ويمكن أن نورد نصوصا من التوراة تؤكد على مكافحة الظلم وحل مشكلة الفقراء والضعفاء.
1-إن الله مالك السنوات والأرض (سفر التكوين 14/19)
2-إن الفقر والغنى بيد الله وحده (صموئيل الأول 2/6-8)
3-إن الفقر لا يرفع من الأرض (سفر التثنية (15/11,10)
4-إن العمل يؤدي إلى الشبع والكسل يؤدي إلى الجوع (سفر الأمثال 20/13)
5-إن الشبع والغنى يؤديان إلى الكفر والطغيان،والفقر، الجوع يؤديان إلى السرقة والجرائم (سفرالأمثال 30/9)
6-إن الفقير المستقيم خير من الغني الظالم أو الملك الجاهل (سفر الجامعة 4/13)
7-الأمر بإطعام الفقراء والمساكين وعدم إهانتهمولزوم الدفاع عنهم (مزامير 82/4)
8-اقض بالعدل وحامي عن الفقير والمسكين (الجامعة 5/8-10)
9-النهي عن الإساءة إلى الفقير وظلمه (الجامعة5/8-10)
10-التنديد بالأغنياء الظالمين (أمثال 22/16)
11-الخطايا تؤدي إلى الفقر (أمثال 23/19-21)
12-لا يدوم الغني لأحد (الجامعة 4/14).
المسيحية
هي إحدى الديانات الإبراهيمية والديانات التوحيدية؛ الجذر اللغوي لكلمة مسيحية تأتي من كلمة مسيح، والتي تعني حرفيًا المختار أو المعين، وكذلك تعني الممسوح (الممسوح بالزيت) نسبة لملوك العهد القديم الذين كان الانبياء يمسحونهم بالزيت المقدس على رؤوسهم للدلالة على الاختيار والبركة والسلطان الالهي الممنوح لهم، وقد جاءت التسمية نسبة إلى يسوع الذي هو بحسب العقيدة المسيحية المسيح، ابن الله، الله المتجسد، المخلص وغيرها من التسميات الأخرى؛والمسيحية تعتبر أكبر دين معتنق في الأرض، ويبلغ عدد أتباعها 2.2 مليار أي حوالي ثلث سكان الكوكب من البشر،كذلك فالمسيحية دين الأغلبية السكانية في 120 بلدًا من أصل 190 بلدًا مستقلاً في العالم. تؤمن أغلب الطوائف المسيحية أن يسوع هو المسيح والابن أي الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس، وبالتالي فهو إله كامل. وقد ولد من عذراء بطريقة إعجازية. وخلال حياته الأرضية اجترح العجائب والمعجزات، ثم صلب ومات تكفيرًا عن خطايا البشرية، وقام من الموت في اليوم الثالث وصعد إلى السماء متحدًا مع الله الآب، بيد أنه أرسل الروح القدسثالث الأقانيم الإلهية، وسيعود في اليوم الأخير لإدانة البشرية ومنح الحياة الأبدية في ملكوت السمواتللصالحين والمؤمنين.
يتفرع من المسيحية عدّة مذاهب، أما مذاهبها الرئيسية فهي: الكاثوليكية، الأرثوذكسية، {تقسمبدورها إلى أرثوذكسية غربية مثل كنيسة اليونان،وأرثوذوكسية شرقية أو قديمة (مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة السريانية الأرثوذوكسية)، وشتّى طوائف البروتستانتية. ويلي المسيحية في الترتيب استنادا على عدد الأتباع، الإسلام، ويلي الإسلام، الهندوسية.
ينقسم الكتاب المقدس (لدي المسيحيين) الى:
العهد القديم (التوراة) التي تختلف قليلا عن التوراة لدي اليهود حيث يرفض المسيحيون بعض الأسفار لدي اليهود على أساس أنها مضافة ويروا في العهد القديم النبوات التي انبأت عن حياة وموت وقيامة المسيح ورجوع الملك ودينونة العالم
العهد الجديد ويتكون من 4 اناجيل هي:
إنجيل متى
إنجيل مرقس
إنجيل لوقا
إنجيل يوحنا
مجموعة من الرسائل والكتابات الأخرى.
لقد جاء الدين المسيحي بوصايا ومواعظ كثيرة منها:(ليست حياة الناس بالطعام والشراب فحسب بل بالأيمان والتحلي بالفضائل)، انجيل متى، الإصحاح الرابع – الآية 4. و(للجائع أن يأكل ما تحرمه الشريعة)انجيل متى 12/1-4. و(الدعوة للرحمة بالبؤساء والمساكين والضعفاء)، متى 5/6. و (من أطعم أو أعان فقيرا فالله يجزيه)، متى 25/24-40. و(النهي عن عبادة المال)، متى 6/24. و(التنديد بالذين يتظاهرون بالعطف على الفقراء وهم سارقون) انجيل يوحنا 12/3-8). و(الدعوة إلى الرحمة والتسامح والمسالمة – متى 5/7. و(من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا)، متى 5/39-44. و (تفضيل الطهارة المعنوية على الطهارة الحسية، متى 15/11، 19/20.
لقد كانت دعوة المسيح عليه السلام هي مقاومة مادية المجتمع والاستغلال والهيمنة، ورده إلى الأخلاق الكريمة كالتسامح والبذل والبر بالفقراء واطراح الشهوات، وكان مثالا للتقشف وترك الدنيا والتخلي عن الأموال وعدم الإفراط في المأكل والملبس والمسكن،وكان أحيانا يمشي حافيا عاري الرأس، وأحيانا أخرى يركب حمارا (كما جاء في انجيل متى 21/2)، وكذلك كان أصحابه وحواريوه، ينهون دائما عن تعدي الإنسان على أخيه وظلمه، وجاء في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورينتوس 6/9 ما يلي: (إن الظالمين لا يرثون ملكوت الأرض) وكذلك (كانوا ينهون على الفواحش وإتباع الشهوات)، ويدعون إلى تفضيل قوة الروح على قوة الجسد ويؤكدون على التسامح مع الظالمين.
ويمكن تلخيص دعوة تلاميذ المسيح عليه السلامبعناوين ثلاث هي، (البر، والتعفف، والدينونة)،أعمال الرسل 24/25. لقد اتخذت دعوة المسيحية في محاربة الفقر والظلم، شكلا أخلاقيا تربويا مناسبا للبيئة التي عاش فيها المسيح، ونادى برسالته، ولها أثر هام في انحسار الوثنية عن جزء كبير من العالم وتخليصه من قسوة المادية ومقاومة الظلم بكل أشكاله.
الإسلام
الإسلام هو آخر الأديان الإبراهيمية أو الأديان السماوية، وهو ثاني الديانات في العالم من حيث عدد المعتنقين بعد المسيحية، والمعنى العام لكلمة الإسلام هو السلام والاستسلام لله خالق كل شيء،أي تسليم كامل من الإنسان لله في كل شؤون الحياة. يؤمن المسلمون أن الإسلام آخر الرسالات السماوية هو ناسخ لما قبله من الديانات؛ كما يؤمن المسلمونبأن محمدًا رسول مرسل من عند الله، وخاتم الأنبياء والمرسلين؛ وأن الله أرسله إلى الثقلين (الجن والإنس). ومن أسس العقيدة الإسلامية الإيمان بوجود إله واحد لا شريك له هو الله، وكذلك الإيمان بجميع الأنبياء والرسل الذين أرسلوا إلى البشرية قبل محمد، كالنبي إبراهيم ويوسف وموسى والمسيح عيسى بن مريم وغيرهم كثير ممن ذكر في القرآن أو لم يُذكر، وأنهم جميعًا كما المسلمين، اتبعوا الحنفية، ملة النبي إبراهيم، والإيمان بكتبهم ورسائلهم التي بعثهم الله كي ينشروها للناس، كالزبور والتوراةوالإنجيل.
تحدث القران الكريم في كل مناسبة عن وحدة الأديان الإلهية في أصولها التي بعث الله بها الأنبياء والمرسلين في دعوتهم للبشرية إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والى فعل الخير وإتباع الحق وإقامة العدل والابتعاد عن الظلم وتحقيق المساواة ونشر المحبة والأمن والسلام بين الناس.
وحول ذلك قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم🙁 إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) حديث شريف رواه الحاكم في مستدركه، وكلمة (لأتمم) تشير إلى التقاء رسولنا محمد مع جميع الأنبياء السابقين في الدعوة إلى القيم الأخلاقية التي يقوم عليها بناء المجتمعات الإنسانية وتطورها وتقدمها.
إن من أكرم الأخلاق والقيم، بر الإنسان لأخيه الإنسان واحترامه له وإسعافه عند الحاجة واجتناب ظلمه وأهانته، وهذا ما جاء في تعاليم الأنبياء السابقين.وبشأن ذلك جاء في القران الكريم ما يلي: قال تعالى بشأن سيدنا إبراهيم واسحق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)، أية 73سورة الأنبياء، وقال تعالى عن إسماعيل عليه الصلاة والسلام: (وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة)، سورة مريم أية 55، وقال تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) 31 سورة مريم.
وقال تعالى عن أهل الكتاب جميعا: (وما أمروا ألا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) أية 4 سورة البينة.
وقد قرر الإسلام مبدأ العدل في كل نواحي الحياة وطلب ذلك من الأفراد والجماعات والهيئات والدول: قال تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، والعدل هو عكس الظلم وضده … والظلم إما أن يكون من الفرد لنفسه أو لأسرته أو لجماعته أو لقومه أو لأمته أو للإنسانية أو لفرد آخر، وإما أن يكون من جماعة أو من دولة لفرد أو لأفراد أو لجماعات أو لدول أخرى، ولا يمكن أن يتحقق العدل إلا بالامتناع عن الظلم وأخطره وأشده وهو الشرك بالله قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم).
ومن أشكال الظلم اقتراف جميع الجرائم بأنواعها،الفردية والجماعية أو الجرائم الدولية، سواء كانت بالألفاظ أو بالتصرفات أو بالأفعال. ومن أبشع الجرائم قتل النفس، وقد أعلن الإسلام التحريم الكامل لهذه الجريمة ورتب على مرتكبها عقوبة القصاص،قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة..)، آية 179 سورة البقرة، وقال أيضا: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، آية 151 سورة الإنعام وقال: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، الآية 3 سورة المائدة.
والنفس جاءت في هذه الآيات بمعنى شامل وعام،وتشمل كافة نفوس النفوس… فإزهاق أرواح البشر (أفرادا أو جماعات), (ذكورا أو إناثا)، (كبارا أو صغارا)، (أجنة أو أطفالا) على غير وجه حق، يعتبر من الجرائم الخطرة الآثمة، التي يجب على الدولة مكافحتها، وعلى جميع الدول التعاون على مقاومتها … ومن جانب آخر وباختصار شديد فقد أعلن السلام مبادئ أساسية، من بينها مبدأ حق الحياة ووجوب صيانتها والمحافظة عليها، ووجوب العناية التامة بالصحة العامة، ومكافحة الأمراض والأوبئة وإبعاد خطرها عن الأمم والشعوب، قال تعالى: (أنا لنحن نحي ونميت ونحن الوارثون )، آية 23 سورة الحجر،وقال كذلك ( إنا نحن نحي ونميت والينا المصير) آية 43 سورة ق .
وأعلن الإسلام أيضا حق الحرية للإفراد والجماعات والشعوب والأمم، وهو حق ملازم لحق الحياة،فالإنسان منذ ولادته يولد حرا ولا يملكه أحد، قال عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، فالعبودية لا تكون إلا إلى لله وحده خالق الكون والإنسان، وهو الذي انعم عليه بالعقل والحواس، ونعمه سبحانه وتعالى لا تعد ولا تحصى،فالإنسان متساو مع قومه ومجتمعه والبشرية جميعا في إنسانيته الحرة، ويجب أن يعيش الشعب حرا في وطنه، ويقرر مصيره بنفسه.
ويشمل هذا الحق الحرية الدينية قال تعالى: (لا إكراه في الدين)، الآية 256 سورة البقرة، وقال أيضا: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، آية 99 سورة يونس. والحرية العلمية والحرية السياسية،قال تعالى (وشاورهم في الأمر). والحرية المدنية التي تشمل حرية الفرد في اختيار عمله وزوجته والبلد الذي يقيم فيه والعلم الذي يريد التخصص فيه. والحرية الاجتماعية وهي حرية النقد الاجتماعي لمن كان مؤهلا وله كفاءة علمية، وتتجلى بالأمر المعروف والنهي عن المنكر. والحرية الأدبية وتشمل حرية الإنسان فيما يفعله أو يقوله أو يميل إليه ضمن المبادئ والقيم الأخلاقية والاجتماعية، وإذا تعارضت حرية الفرد مع حرية المجتمع كانت حرية المجتمع مقدمة على حرية الفرد.
لقد أعلن الإسلام حقوق الفقراء والضعفاء والمستضعفين، واقر قوانين للواردات المالية، ومن أبرزها الزكاة وقوانين أخرى للأنفاق، وأعلن أيضا حق العلم وحقوق العمال وحق التملك وحق الكرامة لكل إنسان، وهذا الحق متميز في الإسلام وهو ملازم للإنسانية، فالإنسان هو أكرم من كل شيء على وجه الأرض مهما كانت جنسيته واصله شكله ولونه وعمره وحالته الاجتماعية (ذكرا أو أنثى)، قال تعالى: (ولقدكرمنا بني ادم..) آية 70 سورة الإسراء. وحق الكرامة يشمل كرامة الأخوة الإنسانية: وقال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) آية 13 سورة الحجرات، وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع (يا أيها الناس إن ربكم واحد وان أباكم واحد وكلكم لآدم وادم من تراب)، كل ذلك تأكيد على أن الإنسان أخ الإنسان.
ومن جانب آخر جاء الإسلام بمبادئ عليا في إطار القانون الدولي العام والمواثيق والأعراف والعلاقات الدولية، وتتركز في مبدأ العدل، ومبدأ الشورى، ومبدأ المساواة، ومبدأ المعاملة بالمثل، ومكارم الأخلاق.
ومن هذه المبادئ يمكن أن نشتق ونضع القواعد والنصوص القانونية، فالإسلام يرفض الاستبداد والديكتاتورية والتكبر والاستغلال والتسلط، سواء على الأفراد أو على الأمم أو الشعوب، ويحفظ لكل منهم كرامته وحريته الأساسية. واقر الإسلام الاجتهاد وجعله المرتبة الرابعة من مصادر الأحكام بعد القران الكريم والسنة النبوية والإجماع، ووضع شروطا له بحيث لا يجوز مطلقا الاجتهاد في مورد النص القرآني أو السنة الشريفة، وأوجد علما للفقه وعلما آخر لأصول الفقه، وتضمن قواعد أساسية للاجتهاد والمجتهدين، من أبرزها العلم بالشريعة الإسلامية واللغة العربية بكل فروعها وآدابها وألفاظها والنزاهة والصدق والأمانة والإخلاص والقدرة على الفهم والإدراك والاستنباط في إطار مبادئ الشريعة ومقاصدها وغاياتها.
وأخيرا مع الحكمة القائلة:
ان القليل من المعرفة قد تسوق الى الكفر والإلحاد، ولكن الكثير من المعرفة والخوض في اعماقها تهدي العقول الى الدين ” فرنسيس بيكون”