مقالات

أمريكا عادت بعهد بايدن “America is back”

بقلم البروفيسور مانويل حساسيان، سفير فلسطين لدى مملكة الدنمارك

أمريكا عادت بعهد بايدن “America is back”

أين الحرية والديمقراطية في مواجهة سياسة الفصل العنصري الاسرائيلي

في أعقاب الأربع سنوات السابقة من السياسة الخارجية للولايات المتحدة برئاسة ترامب، كشف الرئيس الامريكي جو بايدن خلال الاسابيع الاولى من توليه منصبه كرئيس للولايات المتحدة الامريكية اللثام عن طموح ادارته للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، بتصريحه الشهير (أمريكا عادت)، كان هذا الشعار محاولة منه لطمأنة الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة مع إرسال إشارة تحذيرية مبكرة مفادها لجم طموح القوى الناشئة المتمثلة في روسيا والصين، والاخرين، حيث تعهدت إدارة بايدن بالعودة إلى التعددية وإصلاح تحالفاتها من خلال التأكيد على قيم “الديمقراطية وحقوق الإنسان” رغم ذلك، لا يمكن اعتبار الرئيس بايدن ذا مصداقية في هذه الوعود حتى يظهر اتساقًا في انتقاده لانتهاكات حقوق الإنسان، وهذا يتطلب مواجهة جرائم التطهير العرقي والفصل العنصري المعاصر التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

المعايير المزدوجة للولايات المتحدة

مما لا شك فيه أن عودة الولايات المتحدة بعد تولي الرئيس بايدن رئاستها، قد خلقت تفاؤل مهم بين الدول الديمقراطية بعودة الديمقراطية وحقوق الانسان كقاعدة للسياسات الخارجية لأمريكا، ففي غضون الأشهر الستة الأولى من فترة رئاسته، أيد الرئيس بايدن دعم المؤسسات الدولية كأستراتيجية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، بناءَ عليه واجه خصومه السياسيين الرئيسيين – روسيا والصين، بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، حيث لم يعد ممكناً للأنظمة الكبرى بسط سيطرتها من خلال تقويضها للديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد تم تحدي الرئيس بوتين بشأن سجن المعارض أليكسي نافالني لدوافع سياسية وقمعه حرية التعبير والتجمع السلمي والتحرك الروسي في شبه جزيرة القرم، الذي قوبل بعقوبات أمريكية قاسية والاستعداد لفرض المزيد أن تطلب الامر.

في هذه الأثناء، أجرى الرئيس بايدن محادثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ استمرت لساعتين، حيث ورد أنه لم يتحدث عن أي شيء أخر سوى حقوق الإنسان والحريات، لأن هذا ما نحن عليه “الولايات المتحدة”، على حد تعبيره، ومع ذلك، لم ولن يأخذ الرئيس بوتين والرئيس شي جين بينغ هذه التوبيخات على محمل الجد، للأسباب التالية:

أولاً، سوف ينظرون إلى الفوضى الحاصلة داخل الولايات المتحدة بوجود تمييز عميق الجذور وعنف الشرطة المصنف على أساس عنصري.

ثانيًا، سينظرون الى دعم الرئيس بايدن المطلق للاحتلال الإسرائيلي ورفضه المطالبات بحقوق الإنسان للفلسطينيين، حتى خلال المذبحة التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة والتي استمرت احداعشر يومً.

خلال هذه الفترة، حثت الصين الرئيس بايدن على دعم بيان مشترك في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار، وهو ما منعته الولايات المتحدة في ثلاث مناسبات على الأقل، وترتب عليها كنتيجة مقتل 256 فلسطينيا بينهم 66 طفلا.

في الواقع، أن مطالبة الخصوم السياسية بالالتزام بالمعايير الدولية المتفق عليها لحقوق الإنسان، يفضح النفاق الأمريكي والكيل بمكيالين في سياساتها الخارجية، خصوصاً في وقت تتعرض له شريحة كبيرة من المواطنيين الامريكيين لمنظومة التمييز العنصري داخل الولايات المتحدة، ودعمهم بشكل فاضح وواضح لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي المعاصر.

إذا استمر بايدن في الانتقائية وإهمال عالمية حقوق الإنسان، فإنها تصبح مجرد أداة ضغط سياسية لتعزيز المصلحة الوطنية لامريكا، والتي سيتجاهلها الحكام المحافظين ومنافسيه الدوليين على حد سواء.

لذلك من أجل مواجهة روسيا والصين بشكل شرعي وعادل، حول مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، سيتعين عليه ترتيب بيته الداخلي على هذا الاساس ليظل نصير حقوق الإنسان وما يسمى بـ “حامي العالم الحر”.

وهذا يتطلب من بايدن أن يراجع عن كثب سجلات الولايات المتحدة الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان المتجذرة بعمق من خلال التعصب الأعمى والتمييز العنصري، وأن الدعوة لارساء مبدأ حقوق الإنسان على الصعيد الدولي، تعد حلقة مفرغة عندما نرى قمع التظاهرات بالقوة المفرطة من قبل الشرطة في أمريكا، لذلك يجب تنفيذ الآليات الوطنية أولاً لحماية حقوق الإنسان، من ثم الدولية.

سيتعين على بايدن أن يدين بشدة سياسات إسرائيل التمييزية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان المنهجية بشكل واضح لا لبس فيه، ومواجهة جرائم إسرائيل لسياسة التطهير العرقي والفصل العنصري في حي الشيخ جراح والبستان في حي سلوان، واعادة النظر بالدعم الأمريكي المطلق لها.

أن العديد من الأعضاء داخل الحزب الديمقراطي يطالبون الولايات المتحدة بأن تصبح الوسيط النزيه الذي زعم أنه هو عليه منذ سنوات.

حتى يتم إجراء هذا البحث عن الذات، لا يمكن لبايدن قيادة الجهود العالمية وانتقاد منافسيه الدوليين بشكل شرعي لعدم احترامهم للديمقراطية وحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق