مقالات
حماس استخدمت تكتيك بوتين لهزيمة إسرائيل
لا شك أن حماس خرجت منتصرة من جولة المواجهات الحالية بينها وبين إسرائيل، على الرغم من ارتفاع كلفة الخسائر البشرية والمادية التي تكبّدتها بالمقارنة مع إسرائيل.
أرى في النهج الحالي لحماس، توازياً إلى حد ما مع السياسات التي ينتهجها بوتين في سوريا وأوكرانيا، وفي مواجهته مع الولايات المتحدة الأمريكية. حيث لا يسمح بوتين ببساطة للعدو بالفوز، مع تقليل إنفاقه على المواجهة، حتى لا تتعارض مع التنمية الاقتصادية. في هذه الحالة، يكون الهدف هو إجبار العدو على التفاوض من أجل تحقيق اتفاقات سياسية طويلة الأمد. فتلك ليست حرباً حتى النهاية، تهدف إلى تدمير العدو، وإنما تهدف للتعايش بشروط مقبولة للطرفين.
من الصعب تصوّر أن تكون حماس تسعى لتحقيق مثل هذا الهدف بعيد المدى، ولكن في الواقع، وعلى الأقل في هذه الفترة الزمنية، وبسبب مواردها المحدودة، يبدو أن ذلك هو نهجها تحديداً.
ومع ذلك، فبالنسبة لإسرائيل، تعد عدم القدرة على هزيمة حماس بالقوة بمثابة كارثة محققة، لأن ذلك يقضي على نهج إسرائيل برمته، وعلى منطق المواجهة، بل أقول على منطق وجود الدولة العبرية بالأساس. فالرهان المطلق على القوة لم يعد يعمل، ولدينا كل الأسباب الآن للاعتقاد بأنه سيستمر على هذا النحو في المستقبل.
ولكن، بسبب الطبيعة الكارثية لهذه النتيجة على القيادة الإسرائيلية على وجه التحديد، لا أستبعد إمكانية استئناف الأعمال العدائية بين الطرفين، وربما لا تزال إسرائيل ترغب، وربما ستحاول قلب التيار لصالحها.
في غضون ذلك، يتغيّر العالم تدريجياَ. والجولة الحالية من العولمة ونظام توزيع العمل حول العالم، والتخصص يعيشان سنواتهما الأخيرة. وفي الانهيار الاقتصادي العالمي المقبل، ستكون البلدان الصغيرة، التي لا تتمتع بالاكتفاء الذاتي اقتصادياً هي الأكثر تضرراً. ولما كانت إسرائيل عضواً متميّزاً وناجحاً للغاية في النظام الذي بناه الأمريكيون، فإن انهيارها سيقطع اقتصاد البلاد عن الغرب، وسوف يتقلّص بشكل كبير، ما سيغرق البلاد في أزمة اجتماعية وعرقية حادة.
في الوقت نفسه، سيكون من المستحيل ضمان أمن إسرائيل سواء بالوسائل العسكرية أو السياسية.
فلم يتم إعادة تأهيل الفكرة الاشتراكية في العالم بشكل كامل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. كما لم يكن هناك الوقت الكافي كي يفقد الإسلام السياسي مصداقيته إثر الفشل الإداري والاقتصادي للإخوان المسلمين في مصر، وتنظيم الدولة الإسلامية يظهر حيوية في سوريا والعراق. وهو ما يعني أنه في حالة حدوث انهيار اقتصادي عالمي، فإن الإسلاميين هم أخطر المنافسين على السلطة في الدول العربية، إلى جانب الجيش. لكن الجيش، في حالة انتصاره على الإسلاميين، سيضطر هو الآخر إلى تبنّي شعارات إسلامية لتعزيز سلطته. كما سيتحول الإسلاميون المنتصرون بدورهم إلى ديكتاتوريات عسكرية، وتتأسلم الديكتاتوريات العسكرية.
ويعني ذلك أن الإسلام السياسي سوف يأتي في مقدمة السياسات العامة، وهو ما يفضي إلى أن بدء الحرب المقدسة، أو “الحملة الصليبية” الإسلامية لتحرير القدس، بشكل أو بآخر، ليس سوى مسألة وقت لا أكثر. وبمشاركة عدد كبير من الدول العربية والإسلامية، سيحصل الكثير منها على أسلحة نووية في وقت قصير تاريخياً. الأمر الذي من شأنه حرمان إسرائيل من السلاح النووي كوسيلة لردع أعدائها.
المصالحة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية قابلة للانعكاس.
وكل الجهود لإجبار الحكومات العربية، تحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية، على المصالحة مع إسرائيل، لا طائل من ورائها، ولن تعيش أطول من النظام العالمي الراهن والقيادة الأمريكية، أي لا أكثر حتى من 10 سنوات.
وحتى يحكم العالم قوة واحدة مؤيدة لإسرائيل، دائماً ما ستكون هناك دول وقوى في العالم مستعدة لمساعدة المجموعات الفلسطينية الأكثر راديكالية.
في الوقت نفسه، نحن نرى أن هذا النظام العالمي، القائم على الهيمنة العالمية لأكبر قوة مؤيدة لإسرائيل في العالم، قد أصبح شيئاً من الماضي. ستُترك إسرائيل في القريب العاجل بمفردها على المسرح العالمي، مع وجود عدد من الأعداء الراديكاليين، ممن يتفوّقون عليها بعدة أضعاف في الأسلحة التقليدية، وبدون إمكانية استخدام الأسلحة النووية.
وتجدر الإشارة هنا إلى نقطة منفصلة، وهي اعتبار اعتماد إسرائيل على مصادر خارجية للمواد الخام والبضائع، يجعل من حصارها أمراً سهلاً، حال اختفاء الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها أقوى قوة عسكرية في العالم.
أقول إنه بعد نتائج المواجهة الحالية في غزة، تجاوزت إسرائيل ذروة وجودها، ناهيك عن التوسع، من الآن فصاعدا سوف تقوم بالدفاع الاستراتيجي والتقهقر.
لقد نجحت الجالية اليهودية دائماً، منذ العصور التوراتية القديمة، في تطبيق سياسة الرشى والعلاقات الخاصة مع رؤساء الدول التي يعيش فيها اليهود في الشتات، بغرض الحصول على الامتيازات وضمان الأمن. الآن يتم استخدام نفس المخطط لضمان أمن إسرائيل، ولكن نهج الاعتماد فقط على القوة، التي تمثّلها في الوقت الحالي، الولايات المتحدة الأمريكية المهيمنة عالمياً، سيؤدي استراتيجياً نحو كارثة، في وقت يقلب فيه الغضب الشعبي حكومات دول، تعمل كضامنة لسلامة الشعب اليهودي.
لو كانت القيادة الإسرائيلية حكيمة بما يكفي لإعادة النظر في موقفها الراهن المتعجرف تجاه خصم أضعف مؤقتاً، فربما تتمكن من إبرام اتفاقية سلام طويلة الأمد، تناسب كلا الجانبين، وتؤمّن مستقبل إسرائيل.
عدا ذلك، وبسبب أخطاء قصر النظر لدى السياسيين، قد يقع الشعب اليهودي فريسة كارثة أخرى.
عندها لن يسعنا إلا أن نأمل ألا يستعير الفلسطينيون السياسات الإسرائيلية في حل جميع القضايا بالقوة، ولن يشرعوا في بناء دولة من مجموعة عرقية واحدة على غرار إسرائيل.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب