الجواب على السؤال السابق لن يكون من كلمة واحدة أو حتى جملة، بل هو جواب سياسي مركب ولن يستطيع الشخص معرفته قبل أن يعرف الخارطة السياسية في كيان الاحتلال، فجميع الاستفزازات التي حدثت في القدس على مدى الشهرين الماضيين، كانت محاولات من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، لتغطية فساده وأزماته السياسية التي انفجرت عنها معارضة شعبية واسعة لسياسته داخل الاحتلال، بالتزامن مع الانتخابات الإسرائيلية الرابعة خلال عامين فقط، وفي ظل هذه الأزمة المركبة لنتنياهو قام بالاستفزازات بالقدس بهدف اجبار المقاومة على الدخول في الصراع، ولو دخلت فعلياً وهي تستطيع ذلك، لركب نتنياهو الحكومة الاسرائيلية وأبعد المعارضة عنها وأنهى أزمته الحالية بحكومة عسكرية لمدة عام كامل وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون، لذلك يمكننا القول أن المقاومة أُجبرت على الصمت الآن بهدف عدم إعطائه ورقة رابحة تسكت معارضيه وتضمن فوزه بالانتخابات الإسرائيلية الخامسة.
لكن الأمر الذي جعلنا نركز على غياب دور المقاومة العسكرية هو دور الشباب المقدسيين العزل وحدهم، فما فعلوه كان يساوي مقاومة مسلحة بكل تفصيلاتها، وخاصة أن الاحتلال على مدى العقدين الماضيين وعقب انتفاضة الأقصى الثانية حاول جاهداً تدجين أهالي القدس، عن طريق عولمة وإدخال مناحي التطور إلى حياة الشباب الفلسطيني لمجرد إلهائه عن الحراك ضد أي استفزاز اسرائيلي، لكنه أثبت مدى فشل المخطط الصهيوني الرديء، ف باستخدام الفيسبوك استطاع تنظيم تجمع المرابطين في الأقصى، وحول العولمة التي زرعها الاحتلال ضده لصالحه، وانتصر فقط بصموده.
وعقب كل تلك الأحداث التي خطها تاريخ نضال الشعب الفلسطيني في القدس خلال شهر نسيان وحتى مطلع أيار، يبدو أن المقدسي لن يهدأ إلا بانتفاضة تعيد إلى الأذهان انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، كما أن مشهد اقتحام باحة المسجد الأقصى من قبل قوات الاحتلال، يذكرنا بتدنيس رئيس الوزراء الإسرائيلي “أرئيل شارون” للمسجد، ذلك الحدث الذي كان انطلاقة لانتفاضة عام ٢٠٠٠، ولكن هل الفلسطيني قادر على قيادة انتفاضة جديدة في ظل الانقسام الذي يعاني منه الشارع؟
الشباب الفلسطيني اليوم ربما أصبح غير مبالي بقوة الاحتلال، ففي ظل محاولة تهويده وقمعه، استطاعت القدس الانتصار على حواجز الاحتلال في باب العامود وحتى الأحداث الجارية،
هي رسالة واضحة بأن القدس جزء مهم من الدولة الفلسطينية وعلى الاحتلال أن يسمح لسكانها بالمشاركة في الانتخابات الفلسطينية دون أي تدخل، وأيضاً لا سلام في القدس دون حل سياسي يعترف بأن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، كما وحدة الشارع الفلسطيني خلال الأحداث الأخيرة، تجدد الأمل بإنهاء الانقسام، خاصة في ظل محاولة الفصائل المتناحرة بوضع حد فعلي لإنهاء الانقسام، عبر الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
كما استطاع الفلسطيني الأعزل، تدويل قضية “حي الشيخ جراح”، حيث خرجت النائبة في الكونغرس الأمريكي “ماري نيومان” وغردت على موقها في تويتر “إن للعائلات الفلسطينية حقاً في العيش في الشيخ جراح”، داعية وزارة الخارجية الأمريكية إلى إدانة انتهاكات القوانين الدولية، من خلال إبعاد المواطنين في القدس قسراً عن منازلهم في حي “الشيخ جراح”، الأمر الذي يبشر بتغيير خجول في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، بعد أن أججت الصراع الإدارة الأمريكية السابقة.
ولكن الحماس الشعبي الفلسطيني الأخير يتطلب إرادة سياسية متمثلة بجميع الفصائل السياسية، لتحمل مسؤولية القدس ودعم أهاليها، كونها تمثل المشروع الوطني الفلسطيني، إذ عليها استغلال تأجيل الانتخابات كورقة رابحة لمحاولة إنهاء الشقاق فيما بينها، كما يجب أن تجري حواراتها على نحو توحيد المقاومة الشعبية وتفعيل دور سياسي مشترك يستطيع الضغط على حكومة الاحتلال من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي يضمن حتمية الاعتراف بالقدس الشرقية جزء من الدولة الفلسطينية، عندها ستنتصر فلسطين سياسياً ونضالياً.
كاتبة فلسطينية
المصدر : رأي اليوم