مكتبة الأدب العربي و العالمي

من مخطوطات شن المفقودة المخطوطة السابعة والاربعون / أمين أسعد زيد الكيلاني

يقول الراوي:
ولما هبط الطلُّ الندي سحا على شعاب أهيل وادي القرى،وكان العندليب المقيم قد شرع بترتيل سمفونيته الصباحية الموروثة عن أجداده وقت الضحى.كانت طبقة قد امتشقت قدَّها،وسرحت شعرها،ونسقت ضفائرها.وذلك بعد أن هجرت إِثْمِدها وتركت كحلها، فهي- اي طبقة- الغانية حسبا ونسبا،والغنية عن كل زينة.فجمالها باهر وادبها ظاهر.ثم انتصبت امام مرآتها السجنجلية،وتأملت صورتها الجميلة،
فأطالت اليها النظر،والى حور عينيها،فحدّقت بهما مليا.ثم اخذت تقلب صفحات ذكرياتها من على صفحة خدها الاسيل الناعم باناملها الدقيقة الرقيقة.عابثة بغمازة خدها الأيمن بسبابتها وإبهامها، وكأنهاتحاول سبر سر جمالها وفتونها.وهنا استوقفتهافاصلة في تلك الصفحة من كتاب ذكرياتها.فتبسمت ابتسامة اخذت تتسع شيئا فشيئا حتى احتلت كل ثغرها، وهي تتمتم بقول كانت قد قالته معلمتها حين وطأت قدماها ساحة المدرسة لأول مرة في حياتها،وكانت قد بلغت الرشد الدراسي.وهو سن الخامسة : (ما اجمل غمازة خدك يا طبقة)!.
فنظر اليها اترابها على إثر ذلك وهم يستفسرون،ما معنى غمازة الخد؟!.
الا شن،الذي نظر الى خد طبقة الأيمن من طرف خفي ليرى غمازة خدها.فأضمر في نفسه أن يخلق لنفسه وفي خده الأيمن ايضا،غمازة جميلة مثل غمازة طبقة،فتراها المعلمة فتمدحه وصفا كما مدحت طبقة.ولو كلفه ذلك ثقب خده.
مد شن سبابته اليمنى على خده الايمن،وأخذ يضغط بكل ما أوتي من قوة على وسط خده ليخلق فيه غمازة تفوق غمازة طبقة جمالا، فينال بذلك إعجاب معلمته فتمدحه غزلا.
وهنا تحولت ابتسامة طبقة الواسعة الى ضحكة علت بها اوتار صوتها قليلا. فسمع شن تلك الضحكة المموسقة. فعمد الى كوفيته البلقاء فاعتمرها،ثم اضبطها بعقاله الأسود،وتوشح بزنار جده المزركش بألوانه الأربعة.وطل على طبقة من طاقة تشرف على مخدعها من عرينه وقال لها بنبرة تكدرت بشيء،من الغضب:-
يا طباق،لقد سمعت منك صوتا منكرا،رغم أنه كان جميلا موسيقيا الا اني عرفا انكره.
فقالت طبقة وقد علت موسيقى ضحكتها اكثر فاكثر :-
يا شن،لقد ذكرتك وانت تحاول ان تخلق غمازة في خدك الايمن تفوق غمازتي جمالا، فتنال بها اعجاب معلمتنا. لكنك يا شن قد نلت اعجاب معلمتنا بذكائك وسرعة بديهتك. وقد سلبت قلبي يا شن بوافر عقلك وسعة النَّهيِّ لديك. ولم تسلبه بغمازتك المصطنعة.
تبسم شن ابتسامة رضى وقد مدَّ يده يتحسس غمازته التي كان قد صنعها في خده.تلك الغمازة التي نقلته الى أيام قد خلت.ثم يضعها على رأسه كمن يتفقد ذكاءه،ثم يقول :-
يا طباق : ما جئتك يوما من باب الا وأغلقتيه بحكمة واحكام.ثم فتحت بابا آخر ينفذ الى حدائق المعرفة.
لله درك يا طباق، وأني لأعجب كل العجب من اولئك الذين يعيبون على المرأة ذكاءها، ويحرمون تعليمها. ويظنون انهم هم القادرون عليها ولا احد سواهم.
يا طباق ،انهم قوم يجهلون،وما زالوا في جهلهم يتسابقون، وفي غيهم يتفاخرون. ولأجل ذلك صبغت طرقاتنا بالأحمر،وتوشحت قناديلنا بالسواد،ويبس وردنا الاخضر.وفرَّ من عرصاتنا النهار.
وهاجرت العنادل وغادرت بستاننا الذي اصبح يرثي شذاه.

أمين أسعد زيد الكيلاني
عاره — قضاء حيفا
الأربعاء : 6/1/2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق