مقالات

السياسة موقف و عمل ليست خلطة من العواطف

كتب الاعلامي التونسي المعز بن رجب

مقال يستحق القراءة و التمعن .ويستحق البعض القليل من وقتك

السلطة ليست مزاجات وعواطف وإنما أفعال و مواقف..!
لطفي العربي السنوسي
لا نعتقد ان للسيد قيس سعيد صفة اخرى تؤهّله لمخاطبة الشعب غير صفته كرئيس منتخب للجمهورية التونسية وهو صاحب الشرعيتين ـ كما يقول عن نفسه ـ وبالتالي لا يمكن له ان يعزل هذه الصفة وأن يتكلم دونها.. كأن يبدأ كلامه ـ مثلا ـ بالقول «انا سأحدثكم الآن كأخ او كأب او كصديق» فهذه صفات عائلية مشحونة بفائض من العواطف لا تؤهله لمخاطبة الشعب وعليه فإن السيد قيس سعيد اذا ما تكلم فإنما يتكلّم بصفته رئيسا للجمهورية التونسية ويتحمل ـ بالتالي ـ كل ما يتعرض له هذا الشعب من تنكيل ومن إهانة ومن تفقير ولا يمكن التهرب من هذه المسؤولية الجسيمة تحت أي عنوان تضليلي ومهما كانت طبيعة الخطاب الموجه الى هذا الذي نسميه «شعبا» وقد تحول الى «حائط مبكى» يلطم عليه حكامنا وجوه الخيبة..
لم يجانب السيد الرئيس الصواب عندما أقرّ في كلمته التي توجه بها أول أمس الى الشعب التونسي بمناسبة حلول السنة الادارية الجديدة بأنه يشعر ـ في بعض الاحيان ـ بأنه من كوكب آخر..!! فنحن لدينا ـ أيضا ـ نفس الاحساس.. وحتى لا يقال بأن الكلام قد اقتطع او أخرج من سياقه نورد ـ هنا ـ السياق كاملا حتى نفهم مقاصد السيد الرئيس وجاء فيه:« لم يكن من اليسير العمل في مثل هذه الأوضاع بل كان القلب يعتصر وينزف الدم والألم خاصة حين نستمع الى أنّات ابناء شعبنا في كل مكان نتيجة للتفقير والتجاهل والتنكيل.. وكم رددتها من مرة أشعر في بعض الاحيان بأني من كوكب آخر حين استمع الى المغالطات والافتراءات ومع ذلك ظللت صامدا ثابتا رغم الشعور المستمر بالألم والمرارة..».
وكما هو بيّن فإن السيد الرئيس غير مرتاح نفسيا ومزاجيا وهو على قلق وألم دائمين ومرارته عميقه بل ان قلبه يعتصر ـ كما جاء على لسانه ـ وينزف دما وألما على هذا الشعب المنكّل به والذي تم تفقيره وتهميشه وألمه يزداد عمقا حين يستمع الى أنات أبناء شعبه في كل مكان..
صراحة ومن باب البحث عن مفاتيح لفهم خطاب السيد الرئيس نسأل لمن يتوجه السيد قيس سعيد بكلامه..؟ وبأي ضمير يتكلم السيد الرئيس حينما يقول مثلا:« أشعر بالألم حينما استمع الى أنّات شعبنا..»..!؟ هل هو يتكلم ـ هنا ـ بصفته الشخصية اي كذات معزولة عن صفته الرئاسية والتي تؤهّله لمخاطبة الشعب اي بمعزل عن كل المسؤوليات التي انتخب من أجلها انتخابا مباشرا وهو منذور لها على امتداد عهدته..؟!
فما معنى ان يتوجّه الرئيس بطمّ طميمه الى الشعب بقوله:« القلب يعتصر وينزف الدم والألم خاصة حين نستمع الى أنّات ابناء شعبنا في كل مكان نتيجة للتفقير والتجاهل والتنكيل..».
سيدي الرئيس أنت الرئيس ومن واجباتك المنذور لها ان تحمي هذا الشعب من التفقير والتجاهل وأن تتصدى لكل الذين نكّلوا به.. أمّا ان يعتصر قلبك من أجلنا فهذا يحوّلنا الى ثقل عظيم على سيادتك ما لا نرضاه لكم في مثل هذه السياقات الصعبة..
في الواقع ـ وبعيدا عن كل اشكال المزايدة ـ ومع تقديرنا لصدق عواطف الرئيس تجاه شعبه فإنه لا يمكن القبول بمثل هذا الخطاب الذي يتنصّل من مسؤولياته ويحمّلها «لآخرين» مجهولي الهوية فمن هؤلاء الذين نكّلوا بالشعب وفقّروه وعجز رئيس الجمهورية حتى عن تسميتهم…؟.
ندرك جيدا ان رئيس الجمهورية انما هو شريك حكم ـ وفق النظام السياسي في تونس ـ وأنه السلطة التنفيذية وهي برأسين وان صلاحياته محدودة مقارنة بالصلاحيات الممنوحة لرئيس الحكومة.. لكن ـ والسيد قيس سعيد يعي ذلك جيدا ـ لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة لو أمسك بمفاتيح ما بين يديه.. وبين يديه ـ مثلا ـ المجلس الأعلى للأمن القومي وهو الذي يرأسه ويتحكم في ادارته وفي قراراته ولو دقّقنا النظر فإن «الأمن القومي» لا يعني ـ فقط ـ أمن المواطنين وسلامة التراب التونسي من كل طارئ مسلّح وانما «الأمن القومي» ايضا في علاقة بكل ما يمسّ من الأمن الغذائي والصحي للتونسيين وفي علاقة بالمنظومة الصحية بأكملها والمنظومة التربوية وان كل إرباك لحياة التونسيين انما هو إرباك للأمن القومي وبالتالي فإن الرئيس وباعتباره رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي بإمكانه ان يتحرك في كل الاتجاهات وان يتدخل في كل القطاعات وان يتصدى لكل الذين فقّروا وهمّشوا ونكّلوا بالتونسيين وله صلاحيات واسعة في ادارة شؤون الأمن القومي..
اما القول بأن القلب يعتصر وينزف الدم والألم نتيجة التفقير والتجاهل والتنكيل بالتونسيين فإننا لن نقبله من رئيس الجمهورية المطالب ـ اساسا ـ بوضع حدّ لألم التونسيين لا أن يتألّم من أجلهم..
وهذا نسمّيه ألما بالوكالة..!؟
مع كل التقدير لعواطف ومزاجات السيد الرئيس..فالسلطة ليست مزاجات وعواطف وإنما أفعال و مواقف..!؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق