لن يعترف الإخوان بالأسباب الموضوعية لهذا الفشل.. وستبقى مقاربات الجماعة أسيرة لنظرية المؤامرة التي تعفي قيادة الجماعة من الخوض في الأسباب الحقيقية للفشل غير المسبوق في هذه الانتخابات
في مشهدٍ غير متوقع على الساحة الأردنية، مُنيت جماعة الإخوان المسلمين بخسارة فادحة غير متوقعة في الانتخابات النيابية، بعدما تراجعت حصتها في البرلمان الأردني إلى نحو نصف عدد مقاعدها التي حصلت عليها في مجلس البرلمان السابق عام 2016م.
فعلى الرغم من أن الجماعة شاركت بكل ثقلها في الانتخابات البرلمانية الحالية؛ فإنها عبر كتلة الإصلاح التي تمثلها لم تتمكن من حصد سوى سبعة مقاعد في المعركة الانتخابية؛ حيث دفعت بـ82 مرشحاً في 13 دائرة انتخابية متنوعة.
ضربة قوية
وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي الأمني عمر الرداد، أنه من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين تلقت ضربة قوية في الانتخابات النيابية بتراجع تمثيلها من “15” مقعداً في البرلمان السابق إلى “9” مقاعد فقط في البرلمان الحالي؛ وهو ما شكَّل موضوعاً للتحليل والدرس بالنسبة إلى المتابعين، خصوصاً أن الإخوان الذين يخوضون الانتخابات بقواعد انتخابية “شبه ثابتة” كان يفترض أن يحافظوا على عدد مقاعدهم الـ”15″؛ بل كان الرهان على زيادتها باستثمار انخفاض نسبة الاقتراع، والذي كانت مؤشراته واضحة قبيل إجراء الانتخابات بسبب جائحة كورونا، والأوضاع الاقتصادية الصعبة للمواطنين.
ومع ذلك، فلا يمكن رد أسباب تراجع الإخوان بهذه الانتخابات إلى تداعيات “كورونا” والأوضاع الاقتصادية فقط، حسب رؤية العميد السابق في المخابرات العامة الأردنية عمر الرداد، الذي يرى، في حديثٍ إلى “كيوبوست”، أن هذه الأسباب لا تخص الإخوان وحدهم؛ إذ إن التراجع شمل القوى الحزبية والمدنية كافة، لصالح القوى العشائرية التي ظهرت بوصفها قاسماً مشتركاً في انتماءات أعضاء المجلس الجديد.
عمر الرداد
ويؤكد الرداد أن هناك جملة من الأسباب أسهمت في فشل “64” مرشحاً من قوائم الإخوان ونجاح “9” فقط؛ وبالتالي تراجع حضور الإخوان في المجلس بفقدان “6” مقاعد، لعل في مقدمتها التقديرات غير الموضوعية للإخوان لحجم قواعدهم، وغلبة الصور النمطية حول قوة الإخوان تاريخياً؛ فهناك حالة إنكار من شيوخ “الإخوان” لما تعرَّضت إليه من انشقاقات، فقد أصبحت الجماعة “خمس جماعات” وربما أكثر، وبصورة تتجاوز حدود التيارات المختلفة والمؤتلفة.
هذا التراجع يأتي منسجماً مع سلسلة تراجعات إخوانية شهدها التمثيل الإخواني في النقابات المهنية والمجالس الطلابية، وغيرهما من الهيئات التمثيلية، إضافة إلى ذلك فإن غياب إنجازات حقيقية ولو في إطار مواقف اعتراضية لكتلة الإخوان النيابية في المجلس السابق قد أسهم في هذا التراجع، وهذا ما يشدد عليه الرداد؛ حيث ظهر الإخوان في البرلمان خلال السنوات الماضية مثلهم مثل أي حزب أو أية كتلة نيابية، أخضعت قراراتها لحسابات براغماتية ومساومات مع الحكومات، ومررت قرارات اقتصادية لم تكن تحظى بشعبية؛ فهذه البراغماتية، حسب الرداد، كانت تجلياتها أكثر وضوحاً في إضرابات نقابة المعلمين؛ حيث تؤكد تسريبات أن الإخوان “باعوا قضية المعلمين”.
جانب من إضراب المعلمين- الصورة من: larabiya.net
وبعيداً عن الإنجازات والإخفاقات الإخوانية، فإن الرداد يرى أن عدم قدرة الجماعة أو عدم رغبتها في تقديم وجوه انتخابية “شبابية” والإصرار على أن يشمل كثير من كتلها أسماء خاضت الانتخابات منذ انتخابات عام 1989 وما تلاها في الأعوام اللاحقة، كانت من بين أسباب تراجع الإخوان؛ فالوجوه الجديدة التي تشكل غالبية المجلس القادم تؤكد هذه المقاربة، وهذا لم يكن حاضراً في قوائم الإخوان المسلمين التي خاضت الانتخابات.
ويختم الرداد حديثه بالقول: “مؤكد أن الإخوان لن يعترفوا بالأسباب الموضوعية لهذا الفشل، وستبقى مقاربات الجماعة أسيرة لنظرية المؤامرة التي تقدم حلولاً سهلة لتبرير أسباب الفشل، وتعفي قيادة الجماعة من الخوض في الأسباب الحقيقية للفشل غير المسبوق بهذه الانتخابات”.
تعثر سياسي
هذه المقاربة أو الرؤية التي قدمها الرداد يؤكدها الكاتب والمحلل السياسي الأردني فارس الحباشنة، الذي يرى في تصريحاتٍ خاصة أدلى بها إلى “كيوبوست”، أن الجيل الخامس والتجربة الخامسة للإخوان تعكس فشلهم وتعثرهم السياسي على الساحة الأردنية، مؤكداً أن الإخوان في ظل المرحلة المقبلة يتجهون إلى نهاياتهم وهم يسيرون في اتجاه “التصفية السياسية” في الأردن، وليس لديهم الخيار على العودة إلى التنظيم السري والرجوع إلى مربع “التنظيم الخفي”، كما أنهم غير قادرين على تقديم أنفسهم للمجتمع السياسي، وهذا ما أفرزته مؤخراً صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية التي تحمل مؤشراً واضحاً على أن مشروع “الإسلام السياسي” وجماعة “الإخوان” بكل أطيافها وانشقاقاتها في الأردن هي عناوين قيد المراجعة.
ويرى الحباشنة أن نتيجة الإخوان الأخيرة في الانتخابات هي التمثيل الحقيقي للإخوان والحجم الحقيقي لهم، منوهاً بأن الجماعة ورموزها لو قاموا باستدراك الخطاب الذي يطرحونه منذ البداية، ومدى قدرتهم على أن يكونوا مشاركين أقوياء؛ لكانوا تنبهوا إلى أن هذه الانتخابات في ظرف استثنائي بالأول.
فارس الحباشنة
ويوضح الكاتب والمحلل السياسي الأردني أن قرار الإخوان المشاركة في الانتخابات كان متشظياً ولم يكن مترابطاً ومتماسكاً؛ فهناك تدخلات قوية بين أجنحة الجماعة حول قرار المشاركة في الانتخابات والشخصيات التي تخوض المعركة الانتخابية.
ويستبعد الحباشنة وجود مباحثات أو مقايضات بين الدولة الأردنية والجماعة قبل مشاركة الأخيرة في الانتخابات؛ لأجل التأثير على نتائجها، منوهاً بأن الدولة أكبر من أن تعقد صفقة مع الإخوان بعد أن بات حجمهم وتأثيرهم محدوداً وجزئياً في المعادلة السياسية الأردنية؛ فلم يعد حضورهم قوياً كما كان في السابق.