مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكايا من القرايا ” لغة الحيوانات والطيور” عمر عبد الرحمن نمر

من أحلى الصباحات التي كنت أشهدها، عندما كنت أراقب جارتنا أم جميل تعلف دجاجاتها، سبحان الله! ما أن تلمح الدجاجات وديكهن أم جميل في الصباح حتى يتهيأن بحركاتهن، ويصيح الديك… وما أن تفتح أم جميل الخُمّ، حتى تخرج الدجاجات تلتقط ما قسم الله لها من حَبّ القمح… وأم جميل، تناديهن، وتحثّهن على الأكل: تيعا… تيعا… تيعا، وكانت الطيور المنوعة تشارك الدجاج فطورها، وأم جميل تسمح لها بذلك… لكني كنت أسمع أم جميل تخاطب الدجاج الغريب الذي جاء يسرق علفاً، وتردعه، وتخاطبه: ” كِش… كِش… غريب” فيفهم الغريب أن الحجة انتبهت له، وقبضته متلبساً بفعلته السوداء، فيفر من المكان.
نعم، أم جميل كانت تخاطب طيورها، وتخاطب طيور غيرها، ولا غرابة في ذلك، فقد تحدث الفلسطيني مع طيره، ومع حلاله، من أغنام وأبقار وجمال…
قبل أن يركب حماره، ويجهزه بحلسه وخُرْجه، كان يأخذه إلى (مَقْر) قرب البير، ينتظر الحمار صاحبه حتى ينتشل له ركوة أو ركوتين من الماء، يضعها في (المَقْر)، ثم يخاطبه” كوكِش… كوكِش… كوكِش ” فيشرب الحمار حتى يرتوي… وعندما يريد أن يوقفه قرب سلسلة حجرية حتى ينطّ في ظهره، كان يقول له بطريقة هادئة، وبصوت لطيف ” هيييييش” فيفرمل الحمار ويقف، وإذا استوى على ظهره، حثّه على السير ” حا… حا… حا ” فتتحرك رجلا الحمار ويداه…
وخاطب أغنامه، فصاح بها عندما تعتدي على زرع الغير، وهي ماشية إلى مرعاها، فزجرها ” تَع… تي ” ورماها بحصوة صغيرة… فترتدع الشياه وتعود إلى طريقها السليم، وعندما حبّب إليها الشرب، خاطبها ” ويح… ويح… ويح “… والجَمَل حتى الجَمَل، كان يسمع لصاحبه، وهو يسقيه، ويطعمه، وإذا أراد له الجلوس أرضاً للتحميل عليه، فما أن يقول له ” إخ… إخ…” حتى يبرك الجمل… و بــــِ ” إخ… إخ ” أخرى ينهض الجمل…
أما حصان العمل، فكان يفهم مفردات العمل كلها، فما أن يسمع لفظة ” دي” حتى يمشي في تلم الحراثة، إن كان يحرث، ” وتلمك” حتى يستقيم خط سيره في التلم… و” عرّم” حتى يبتعد عن شجرة أو حجر كبير، و”دور” حتى يكرّ راجعاً…
وكان عمي الحج حسين يتحدث مع فدّانه العمّال، وهو يحرث أرضه، على بقرتيْن بينهما نير، أو بقرة وحمارة… وكان يسمي إحدى البقرات ” برتشة ” بركة، والأخرى ” البَرقة ” هذا وقت الدلع، أما عند الغضب، فيتحول الاسم إلى ” لحيمة ” والحمارة ” تشليبة ” كليبة… كنت أسمعه وهو يحرث، ويقول، والله إنك خبيثة يا لحيمة… أخبث منك ما شفت… والله إلا أريّح التشليبة، وإنت ما تتريّحي… فيفكّ النير عن الحمارة، ويأتي بالبقرة الثانية ويوصلها بالنير مع أختها… وتستريح الحمارة من شقاء الحراثة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق