مقالات
صفقة القرن هل تنفّذ أم تلغى ؟ د. سمير قطامي
تباينت الأراء حول صفقة القرن التي تنوي الولايات المتحدة تنفيذها في فلسطين ، فهناك من يرى أنها قد أجّلت ، ومن يرى أن الجانب الأمريكي قد صرف النظر عنها نهائيا ، فهل حقيقة تمّ إلغاء هذه الصفقة ؟
إذا تأملنا ما يحدث في منطقتنا من تطورات سنجد أن الصفقة قيد التنفيذ دون إعلان ، وبعضنا لا يدري ، وخطوات التنفيذ كالآتي :
أ – الإعلان الأمريكي بأن القدس عاصمة أبدية للدولة اليهودية ، وبدء تنفيذ ذلك على الأرض ببناء المستوطنات ، والتضييق على سكان القدس العرب ، لدفعهم إلى النزوح والهجرة ، وفتح باب الهجرة لهم إلى أمريكا وكندا .
ب – إيقاف دعم الأونروا ودفعها إلى تصفية أعمالها ومشاريعها فيي فلسطين والدول العربية ، علما بأن الأونروا قد تأسّست بعيد تهجير الفلسطينيين سنة 1948 ، لإطعام المهجّرين وتعليمهم وعلاجهم .. ومما يجدر ذكره أن لدى الأونروا (داتا) المعلومات والبيانات والوثائق والإحصائيات لهؤلاء المهجّرين الذين يقدّر عددهم بحوالي ستة ملايين .. وشطب الأونروا القائم الآن ، يعني ضياع أي وثائق عن أعداد الفلسطينيين وحقوقهم ، وإنهاء كل ما له علاقة بتهجير الفلسطينيين إلى الأبد ، ناهيك عن دعوة الدول العربية المضيفة لتجنيس اللاجئين الفلسطينيين .. وهذه الخطوة في حال تنفيذها ، تشطب حق العودة للفلسطينيين الموجودين خارج فلسطين ، ولا تعترف إلا بحوالي 60 ألفا كلاجئين !! وهذا يعني أنه خلال أقلّ من سنتين سيتلاشى كل ما يتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين ، وستنفض دول العالم أيديها من كل ما له علاقة بفلسطين .
ج – إقرار الكنيست الإسرائيلي لمشروع يهودية الدولة ، بما يحمله المشروع من هدر لحقوق العرب المسلمين والمسيحيين والدروز ، وبما يحمل ذلك في المستقبل من تضييق على كل من ليس يهوديا ، ودفعه إلى الهجرة .
د – الضغط الإقتصادي على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ، والتلويح لهم بمشاريع اقتصادبة ضخمة تجعل الضفة كدبي ، وغزة كسنغافورة من خلال ربطها بميناء بورسعيد ، وفتح آفاق واسعة أمام أبنائها .. وهذا سيتمّ بالمال العربي من دول الخليج ، وبشركات أمريكية .. ألم يقل ترامب :” مع عدم رغبة الفلسطينيين في التحدّث عن السلام ، لماذا يجب علينا أن نوفّر هذه المدفوعات الضخمة ؟”
هل أغالي إذا قلت إن فساد الإدارة في الضفة وغزة ، ونهب الأموال ، وفقر الناس ، وشيوع البطالة الهائلة بين الشباب ، قد أوصلت قطاعا واسعا من أبناء فلسطين للبحث عن الخلاص من هذا الواقع السيّء، إلى القبول بالسيادة الإسرائيلية التي يراها كثيرون ، أنزه وأعدل وأنظف من قياداتهم ؟.
لنكن واقعيين ونعترف بأن صفقة القرن في حالة تنفيذ على الأرض ، ولم يبق منها إلا الجزء الأخير ، وأعني به الإقتصادي ، وهو ضخّ الأموال ، وإقامة المشاريع ، وترفيه الناس ، وها هي مفاوضات حماس في مصر ، والاتفاق على هدنة طويلة الأجل مع إسرائيل ، يشي بذلك ، على الرغم من أن هناك من سيقول : لا يمكن أن تنجح صفقة القرن لانعكاسها السلبي على الدول المضيفة ، فهل الدول المضيفة قادرة على الوقوف في وجه أمريكا الممول والحامي والضامن ؟
يقول الصحفي البريطاني المخضرم روبرت فيسك ، عن هذه الصفقة ، وملء جيوب الفلسطينيين : ربما تكون قلوبهم فارغة ، لكن بطونهم ستكون ممتلئة ، وربما ستكون آمالهم ميتة ، ولكن حساباتهم البنكية ستكون عامرة ، وبدلا من كل الكآبة والعنف اللذين يرعاهما الزعماء الفاسدون الذين لايستطيعون أن يدفعوا ، ولا أن يعطوا شعبهم ، يمكن للفلسطينيين أن يسيروا بثقة وفخار ، مع فرص جديدة وأموال وفيرة ستنهال عليهم .
إنها سياسة العصا والجزرة ، وستنفذ الصفقة بالمال العربي ، لطيّ صفحة القضية الفلسطينية ، وصفحة اللجوء الفلسطيني الممتد منذ سنة 1948 .