اقلام حرة
السارقون بسّرَابِيلُ الوطنية بقلم: الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر أبو نحل
القدس عاصمة فلسطين – في ظل أوضاع مأساوية تحيياها معظم الشعوب العربية عامةً، وفي فلسطين خاصة، فقد اختلط الحابل بالنابل. نحن العرب والمسلمين عموماً نعيش في زمن فيه يتولى المنصب الرجل غير المناسب في المكان المناسب!؛ ويُقدم فيه الوضيع الخائن السارق علي الرجُلِ الصالح، ويخون الأمين ويؤتمن الخائن!؛ وأصبحنا نسمي بعض الناس اللصوص ب: “الأخ القائد المجاهد، أو الرفيق الأشوس الثائر، أو الأخ القائد المناضل الخ.. و يا ليثهُم كذلك”؟!؛ وقد سرق بعضهم رغيف خبز الفقير في الوطن، فالوطن أمسي مرتعاً خصباً للصُوص!، وأما الوطنية والنضال والشهداء، والجرحى، والأسرى بسجون الاحتلال، جُلهّم من أبناء الفقراء، والمساكين!؛
ولقد تسلق ثُلة من السارقين ظهور المناضلين والمجاهدين الحقيقين!؛ حيثُ يعيش السارق بثوب الوطنية في عصرنا الراهن مُتقلباً في الّنِعْم؛ حيث مات الضمير لديهِ، فلا وازع ديني ولا أخلاقي يردعهُ، فالغاية لديهِ تبرر الوسيلة، وبعضاً من دُعاة الوطنية من اللصوص، كان في الماضي بالكاد يجد قوت يومهَ، ومن أولئك السارقين من يعتلي المنابر ويخطب في الناس في بيوت الله، فيقول كلاماً جميلاً؛ ولكن كلامه ينافي أفعاله، وهو منافقاً وسارقاً!؛ بلّ وشطياناً رجيماً لبس عباءة الورع والدين، ليمرر غاياته وأطماعه، ومصالحه في الدنيا!، والبعض الأخر ممن يدعون ويلبسون سرابيل الوطنية والقيادة والنضال، ما إن يتقلد منصباً كبيراً بطريقة ما سواء كانت شرعيةٍ أو غير شرعية، من خلال خبرتهِ في التدليس والغش والتزوير، واللف والدوران، ومن خلال تسويقهُ لنفسهُ أنه مناضل وقائد وطني أو قائد إسلامي، أو مدير عام في منظمة دولية، أو محلية، وتدعي تلك المنظمة أو المؤسسة حقوق الانسان والانسانية من المؤسسات الرسمية أم غير الرسمية، وبمجرد ما يتقلد المنصب الرفيع يصبح بعضهم ينفد أجندات غير وطنية، ونسي نفسه من كان بالأمس القريب لا يملك قوت يومه، وفجأةً يصبحُ مالك لسيارات فخمة وفارهة، ويمتلك أراضي وأبراج وعمارات وعقارات، ومُولات تجارية كبيرة ومنتجعات وشاليهات الخ..، وله خدم وحشم ومرافقين، ويمشي في الأرض متبختراً متكبراً متجبراً غليظاً فاسداً و ظالماً لنفسه ولغيرهِ؛؛ وفوراً مع تسلمهِ المنصب الكبير يتكبر علي الناس ويختفي عن أعين الناس ويغير أرقام هاتفه الشخصي، ويغيب عن صفحاته علي مواقع التواصل الاجتماعي، فّهُمه الأن هو انتفاخ جيوبِه بالمال الحرام، ومن ثم يتكرش بطنه حتي يصبح من شده الّسُمنّة فلا تري له رقّبهْ!؛ كما ويعمل فور تسلمه المنصب علي توظيف أولي القربي له من زوجته وبناته وأولاده، الصغير قبل الكبير، من طرف ذلك مُدعي (الوطنية أو الاسلام) !، وهو بالأساس سارق، ولص مخضرم، وقد اعتلي عرش المنصب ويقال له (القائد المناضل، أو المجاهد)!؛ واللهِ إنني أري أننا نعيش في زمن الرويبضة، فبعض الناس من البُلهاء قليلي الأصل والأمانة، بمجرد تنصيبهِ رسمياً في منصب سواء كان المنصب محافظاً أو أميراً أو وزيراً، أو أمين سر مكتب حركي أو أمين سر إقليم، أو هيئة قيادية، أو قائد فصيل أو حزب أو تنظيم أو حركة أو مدير عام في مديرية، أو وزارة أو حركةٍ ما الخ…، فوراً يصبح مثل الكلب المُّسعُور علي الدنيا، يحاول تملك الأراضي، والبيارات والمزارع، والفيلات، ناهيك عن قصص الرذيلة والفساد والزنا مع النساء!!؛ وكذلك بعُضهم يسيطر علي المنح الدراسية الجامعية الخارجية أو الداخلية أو المنح للكليات العسكرية الخارجية؛ ليدرس أحبابه وأولاده مجاناً ويتم جلب وظائف لأبنائه وأقاربه، وأحبابهُ، ومن ثم يّركب أّوُلاده أجمل السيارات، ويصبح معهم ألوف الدولارات، ويكون اللص وضيع سارق لا يملك شهادة البكالوريوس، أو الماجستير ويقولون له نفاقاً و زوراً الأخ الدكتور المجاهد أو المناضل الخ!!؛ ويزداد ذاك السارق بهاءً وزهواً وعلواً في سرقاتهِ؛ حيثُ لا رقيب ولا حسيب ليقول له من أين لك هذا أيها الفاسد القعسوس!؛ ولأبناء أولئك “المناضلين” أو المستألمين من بعض اللصوص، يكون الوظائف والحوافز، والنثريات، والأموال، وكل شيء، وتفتح لهم السدود والحدود ومتي أرادوا أن يسافرون فلهم ذلك بلا قيود، وسفرهم للنزهة يعُد مهمة جهادية أو مهمة وطنية أيضاً، يتكسبون لسرقة مزيداً المال، ولسان حالهم هل من مزيد!؛ وكل ذلك علي حساب قوت المساكين والفقراء، والمشكلة في أولئكِ اللصوص أنهم يفكرون أنُفسهم أذكياء ومّن حّوُلهم لا يعلم حقيقة أمرهم من السرقات!، والحقيقة أننا نعلم عنهم كل شيء!، ونعرف كل شيء؛ وللأسف لا نستطيع أن نفعل للمناضلين اللصوص السارقين أي شيء!!؛ إننا نرى الفساد ونرى الصوص بأُمِ أعيُننا، ونرى ونعرف تجار الاوطان، والدين، ونرى من يصنعون لنا الاحزان، والمقيت والمقزز في هذا أن تجد لهؤلاء من يصفونهم لنا، بالأبطال والقادة، والمناضلين، والمجاهدين!!، إن الوطن اليوم يغلب عليه ثلة من بعض السادة (المناضلين)، أو من يلبس عباءة الاسلام من بعض الفاسدين الجالسين فوق كرسي الحكم وبيدهم القانون، والمال، وهم فوق المحاسبة! رغم كونهم قلة وعدد بسيط من الأفراد الذين يتحكّمون بكل شيء!، وهم عصابات بأوسمة، ومسميات ونجوم كثيرة، هم لصوص محترمون يتناوبون على المنصِب الحلُوب، ولا يختلفون إلاّ على اقتسام الغنائم؛ ويضعون بينك وبينهم علم الوطن، ومتحدّثين باسمك وباسم الوطن والوطنية، في كل المحافل، والأماكن!؛ إنّهم على ثرائهم فقراء فلا كرامة لهُم، وإنّ الكرامة للمناضلين الحقيقين وأصحاب عزة النفس، فهي “بنك ولكن بدون سيولة”، وفي هذا الوقت الصعب تصبح أسمي أُمنيتك أن تغادر تراب الوطن الذي اعتلا عرشة بعض من القتلة واللصوص والسارقين، وتجار القضية والدين والوطنية من الذين ماتت ضمائرهم، ونهبوا الكثير من الأموال المغموسة، والمخضبة بدماء الشهداء، وآهات الجرحى والتكالى، والفقراء والمساكين، ومن الأطفال المتسولين علي أرصفة الطرقات ممن لا يجدون قوت وهم يعتصرون جوعًا، وحرماناً، لكي يعيش تجار الوطن والوطنية والدين من إخوان الشيطان!؛ إنّ هذا الفساد انتقل في زماننا إلى كلّ مفاصل الثورة، ولكل مكان ومضت سنوات وكُبرت وزادت ثروة وقوة اللصوص الوطنيون!؛ والوطن والمواطن يحتضر؛ فلا نصر لوطن يعتلي عرش المناصب فيه اللصوص، وينامون بلا قلق، ويكسبون بلا عّرق، ويعيشون بلا أرق، فلا نامت أعين الجبناء، وإن فتحت لهم الدنيا اليوم فويلٌ لهم من مشهد يومٍ عظيم ومن يوم الحساب، ومن غّل وسرق شيء ولو كمفحص قطاة طوق بنارٍ مما سرق يوم القيامة: فالدنيا قصيرة وحساب الأخرة عسير، علي المجرمين ولصوص الوطن غير يسير، فويلٌ لهم مما سرقت أيديهم وويلٌ لهم مما يفعلون.
الكاتب الصحفي الباحث المفكر العربي والمحلل السياسي
عضو الاتحاد الدولي لنقابة الصحفيين
وعضو مؤسس باتحاد المدربين العرب
الأستاذ والمحاضر الجامعي غير المتفرغ ورئيس المركز القومي لعلماء فلسطين