ها أنا الآن هنا ، يشدّنّي الحنين الى الاحفاد كل صباح وكل مساء . ويجَعَلني أَعْدو في كل الجهات لأصل اليهم في الأقاصي ، حاملاً صفصاف الكرى وفي داخلي هامشاً للتجلّي ولو كانوا في أطراف المعمورة . أنينٌ يسكن آنَي ويشرّدني أو يَشْرُدُ عنّي . أذهب بعيداً لألقاهم وأرمّم لِما في البعيد البعيد من الهُوّة السحيقة ولأقيس ما عشته في طفولة مدموغة ببصمة دلال وحب فائق مع جدتّي وجدّي .
زمنين في سيرة واحدة .
وكلّما ضقت في البعاد ذَرعاً ، أمتطي صهوة الريح وتأخذني جِماحها كي أشاركهم أيامهم وفي صدري من ماء القلب ما يفيض من الحب .
اتذكّر جدّتي وجدّي كيف بَسَطا حبهما ، ونشأت لا أصدّق أحداً غيرهما، ولا أعرف حِضناً أدفأ من حضنهما . أكبر على تعاليمهما ليكون لي منهما الجَدَدْ الذي يفتح أفْقَ السماء .
انغمرت بِحَدْبهما كأنّي فرْخٌ خارجً لتوّي من البيضة .
أصغيت إلى تعاليم الأرض والسماء على ألسنتهما .
أنا لا أنا لأن جدَتي وجدّي مقيمان فيّ . لم أودعهما لأني ما كنت اريد وداعهما لئلاّ افقد نصفي . قضيت طفولتي ارتع في أرجاء وصايتهما واحفظ تعاليمهما من الرياح العابرة. وحين شققت لنفسي سبيل الذهاب إلى غدي ، لم أمسح من صدري ما تعلمته من التعاليم . كنت أخِفُّ اليهما في الليل لأنني أخاف الظلمة . كنت أنفر من درس الحساب . أنبذ الأعداد والأرقام. رفيقي الخيال . معهما يكبر ويتمدّد ويَربَدُ باللانهائي . اليهما وحدهما أستمع . حين أدعوهما إلى ملء رأسي بالحكايات . اكتشفت معهما سحر الغناء وهزّني التعلّق بلعبة الأصوات تأتلف وتختلف . يعجن جدّي مواله بآيات الجمال وترنّم جدتي التراتيل . مدينٌ لهما بما أودعا فيّ من شغف بالبديع وكأنّي أسابق نفسي إلى تشييد مملكة من الأصوات في الرأس .
أعودوا الى ملائكتي بأيادٍ
من الفضة الساحرة
وأجنحة من ألق الضوء
القي تحيّة عابرة
وارخي على تعب الروح
برقاً يوقظ عتم البعيد
أطلق من راحتي
طيوراً من النور
هو الحب فيه المدى غامرٌ
وبه القلب يخفق في منتهاه
تركت اغنيتي عند سرير الحكايات
ورفعت كفّين ضارعتين
أغمضت عينيّ
وغنيت :
” وله حين يكبر
أن اتنحّى قليلاً إلى مطرح
أعدّ به ما تبقّى أمامي
لأصلي له من سنين “