محاكمة نتنياهو سابقة في تاريخ إسرائيل بمثول رئيس وزرائها أمام القضاء خلال ولايته ولتتحول إلى محطة حاسمة..
محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهم الفساد تتزامن مع تطورات داخلية وخارجية عميقة التأثير على المشهد الإسرائيلي.
فإن هذه المحاكمة في أهميتها سابقة في تاريخ إسرائيل مثول رئيس وزرائها أمام القضاء خلال ولايته، ولتتحول إلى محطة حاسمة في تاريخ إسرائيل، حيث تتداخل تداعيات الحرب المستمرة في غزة ولبنان وسوريا مع صراع داخلي محتدم على طبيعة النظام القضائي والمؤسساتي.
فمحاكمة نتنياهو تأخذ طابعًا غير مسبوق بسبب تزامنها مع حالتين بارزتين: الأولى، الحرب المستعرة على عدة جبهات في غزة ولبنان وسوريا، وما يصاحبها من تداعيات سياسية وأمنية؛ والثانية، استمرار الصراع على منظومة القضاء والإعلام والأجهزة الأمنية في إطار ما وصف بـ”الانقلاب القضائي” الذي بدأ قبل عملية “طوفان الأقصى” واستمر خلالها.
هذه المحاكمة لا تنفصل عن هذه السياقات، إذ تشمل ملفات الفساد ضد نتنياهو تهمًا تتعلق بالتلاعب بوسائل الإعلام واستغلالها لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية، ما يربط المحاكمة بشكل مباشر بالصراع القائم على المؤسسات.
نتنياهو يعيش الان حالة من القلق الشديد، حيث أنه خلال السنوات الخمس الماضية لجأ إلى كل الوسائل الممكنة لتأجيل المحاكمة، لكنه الآن يخوض معركة للبقاء السياسي والشخصي، من خلال إطالة أمد المحاكمة على أمل حدوث تطورات غير متوقعة قد تنقذه من مصيره المحتوم.
المحكمة بدورها قررت الاستمرار في إجراءات المحاكمة رغم الظروف الأمنية والحربية، حيث يرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها أن القضية بدأت منذ ثماني سنوات، وتم تقديم لائحة الاتهام قبل خمس سنوات، كما أن المحكمة تجاوبت سابقًا مع العديد من طلبات التأجيل التي تقدم بها نتنياهو، لكن الأمور الآن وصلت إلى نهايتها بعد توقيع نتنياهو على تعهد خطي بالالتزام بفصل دوره كرئيس حكومة عن إجراءات المحاكمة.
أما استراتيجيات نتنياهو فأنها تعتمد على استغلال ثلاثة محاور أساسية: المحاكمة، والحرب، والنقاش الداخلي في المجتمع الإسرائيلي.
ويشير دياب إلى أن نتنياهو يحاول تقديم نفسه للجمهور الإسرائيلي كزعيم يعمل على حماية “مصالح إسرائيل الكبرى”، بينما يصف المحاكمة بأنها مضيعة للوقت تُعيق جهوده لإنقاذ البلاد.
والمثال الاكبر على ذلك ما حدث بعد جلسة مثوله أمام المحكمة التي استمرت ست ساعات، حيث تجنب نتنياهو الحديث عن المحاكمة، وبدلًا من ذلك ركز على العمليات العسكرية وبطولاته في سوريا، ليظهر كمدافع عن أمن إسرائيل في مواجهة محكمة تسلبه الوقت اللازم “لخدمة الشعب”.
فقد استغل نتنياهو ملف تبادل الأسرى مع غزة لتوجيه رسائل إلى عائلات الأسرى الإسرائيليين، محاولًا تحميل المحكمة مسؤولية تأخير إتمام الصفقة، في خطوة تعكس سعيه للربط بين الملفات الداخلية والخارجية لتعزيز موقفه أمام المحكمة والرأي العام.
لا شك أن القضاء الإسرائيلي يدرك أن المحاكمة ليست مجرد قضية عادية، بل هي جزء من صراع أوسع يتعلق بمستقبل النظام القضائي الإسرائيلي.
فالمحكمة ترى في القضية فرصة لتأكيد استقلال القضاء ومحاسبته حتى أعلى المسؤولين، في رسالة موجهة للداخل الإسرائيلي وللمجتمع الدولي.
المحاكمة تأتي رغم محاولات نتنياهو المستمرة لتقويض النظام القضائي، بما في ذلك مهاجمته للقضاء والإعلام وتغيير طبيعة المؤسسات الأمنية والعسكرية.
ويعتبر دياب أن المحكمة تنظر إلى محاكمة نتنياهو كخطوة أخيرة لمنع استكمال “الانقلاب القضائي”، الذي يمثل تهديدًا مباشرًا لما يسمى “الدولة العميقة” في إسرائيل.
وحول تأثير المحاكمة على الحرب، فأن الكشف عن تفاصيل قضايا الفساد قد يؤدي إلى تراجع إضافي في شعبية نتنياهو، مما يزيد من الضغوط الداخلية عليه. والمحكمة تراهن على أن تآكل الدعم الشعبي لنتنياهو سيضعف موقفه في الحرب وفي الملفات الداخلية الأخرى، ما قد يسرّع من محاسبته قضائيًا وسياسيًا.
كما أن المحاكمة قد تؤثر على المواقف الدولية تجاه نتنياهو، لا سيما في ما يتعلق بقرارات المحكمة الجنائية الدولية، إذ تسعى إسرائيل لتقديم صورة عن استقلال قضائها، ما قد يخفف من الضغوط الدولية عليها.
فالمحاكمة تمثل “المعركة الأخيرة” لكل من نتنياهو والقضاء الإسرائيلي، فمن جانب القضاء، يسعى إلى إثبات استقلاليته وحماية “النظام الديمقراطي”، ومن جانب نتنياهو، تمثل المحاكمة محاولة للبقاء السياسي والشخصي.
سهيل دياب- الناصرة
د. العاوم السياسية