لقد اتخذتُ من قاعدة التدبر مرصداً أمتطي من مرتكزه وسيلةً تنقلني إلى مقصدٍ تعمره كلمتا السمع والبصر في القرءان الكريم.
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون) السجدة (12)
عند سورة السجدة طالعنا الإبصارُ قبل السمع ليورثنا الشعور بضرورة وقفة التأمُّلِ والتدبر.
إن نسق السمع والبصر في كل سور القرءان الكريم قضى بأن يسبق السمعُ ومشتقاتُه البصرَ ومشتقاتِه عدا (السجدة) فقد طرقت سمعنا وبصرنا بخروجٍ عن مألوف تقديم السمع على البصر!!!!.
من أجل سلوك سواء السبيل لا بد لنا من إدراك حقيقة أن حاسة السمع تسبق حاسة البصر عند المولود الجديد ، ولعل هذا ما نراه عند ما نحرِّك الكف أمام عيني الطفل حديث المولد ، فإننا لا نرى له رد فعل بتحريك العينين،
أما في حالة إحداث صوتٍ فإن جسم الطفل يهتز دليلاً على وجود حاسة السمع ، وهكذا يستمر الحال على هذا المنوال لزمن تُكْتسب فيه حاسة البصر تدريجياً لتلحق بحاسة السمع.
إن قدوم السمع قبل البصر قد أزال عنا علامة الاستفهام وأكسبنا الإجابة عن تكرار هذا النسق في سور القرءان كافةً عدا (السجدة)، وبقيت معنا سورة (السجدة) تطالبنا بالتأويل والتعليل.
إذا كنا قد عللنا تقديم السمع على البصر في الحياة الدنيا ، فآية (السجدة) تفضلت بالهمس في آذاننا بقولها: غيري من الآيات قد تناولت أحداث الدنيا، أما أنا فمسكني الآخِره حيث يسبق البصرُ السمعَ بطبيعة حال الأحداث ، فالمجرمون طالعتهم أدوات العذاب بقيادة جهنم ، ووقعت أبصارهم عليها ، وظنوا أنهم مواقعوها ، وتبع إبصارَهم بأن تلقَّى سمعهم توكيدا لما رأوا: ذوقوا عذاب السعير.
اللهم لك الحمد على تيسير سبل مسار التفكر والتدبر.