هل يبدو مبالغا فيه قولنا أن حضور المرأة في شعر محمد ثابت كان طاغيا ، فجلً ما كتب من إبداع شعري تناول المرأة ، فجاءت قصائده رومانسبة تتسم بمسحة الحزن الدائمة حتى غدا الحزن رفيقا يلوذ إليه عند الانكسارات ليبدأ ببث لواعجه و تجريد بكائه من الستر و إعلان إحباطه أمام موضوعه ( المرأة) حتى لنظن أننا أمام نفس مشحونة بالأسى و الحب و الخيبة :
دمعي يسيل و للدموع كلام و القلب يبكي و الحبيب ينام
ما حيلتي و أنا المقيد بالهوى النفس حيرى و الفؤاد يضام
فلوعة الحب لديه ساقته إلى اختزال المرأة الحبيبة إلى صفة موصومة محسوم أمرها ، فاضح فعلها مع هذا الكم الهائل من الكذب و الوهم و الجفاء و المكر و الخيانة الصادر عنها ، فصرح في غير قصيدة عن المعنى ذاته :
لكنها بغبائها وقت الخيانة لاترى شيئا سوى الكذب السريع
إن تجربة الحب تغور في أعماق ذاته فتشعل عذابه و تشحذ همته في تلمس الخلاص حتى لو كان الموت سبيلا :
و ما ذنبي و سهم الحب يدمي
و أعلم أن حتفي بالسهام
و ربما لهذا السبب نلمح الالحاح على المعنى ذاته و تكراره و في معظم قصائد الحب ، و كأني به قد ضاق عليه الأمر و أحيط على الكلم الطوق ، و أغلق بذلك المعنى على ذات المعنى ، فتراه يستعذب الهوى و الجوى و يتبع اللوعة و يستلذ حرقته و احتراقه . فتارة يطيل الشكوى و يرجو وصول الحبيبة و وصالها مع الاكتفاء بالقليل ، و تارة أخرى يعلن ثورته على الحب و الحبيبة و يشهر عصيانه و كفره بهواها فيسعى إلى تطهير قصيدته من هذا الكائن الجميل الماكر الكاذب الخائن المخادع الشيطان ، فيكسر أغلالها و يذكي غضبه و يعلن انسحابه من حضرة حبها :
ما بين وجهك ألف وجه للأفاعي يا ترى أي الوجوه الآن أنتِ
و لكنه في النهاية يعجز امام قوة انجذابه و تعلقه بها إلى درجة الاستسلام و الضعف الذي صرح به :
لكنه القلب الضعيف أذلني
و اغتالني حتى وقعت بنارهنّ .
إذن الشاعر محمد ثابت يجد في المرأة قصيدة تبدو له كل
مرة قصيدة فاتنة عصية رقيقة و قاسية ،تعبر عن وجوده ، فدونها لن يكون و مع كل ولادة كل قصيدة تولد امرأته من جديد بكل تعقيداتها ، فيتمسك بها و لا يتخلى عنها بوصفها الحلم المنشود الذي دأب على لمسه و تصحيح مساراته ليصل إلى الحبيبة المثالية أو القصيدة المنشودة :
أنا من عرفتك كي أصوغ
قصائدي
أو أكتب الحرف الأخير
و يبقى الشاعر دؤوبا في نسج تلك القصائد باحثا ماضيا بين هضبات المستحيل رغم كل اخفاقات القلب في نيل المبتغى ، ليظهر جليا حدة الصراع في نفسة بين ما ورثه من قيم و فكر وضعت المراة ضمن إطار اجتماعي معين و بين المشاعر المندفعة نحوها دون كلل . فهو الباحث دوما عن المرأة بعيدا عن الخطيئة ، حالما بواقع مثالي قداسي ليست فيه آثام ، محاولا التوفيق بين جمالها الجسدي و جمالها الروحي و الخلقي ليتحقق بذلك سلامه الداخلي .
بقلم الباحثة
منى إبراهيم بيطاري