مقالات
بادر قبل أن تغادر بقلم/ مشاري محمد بن دليلة كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
عندما تتأمل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتعلق بالدنيا وقيمتها بالنسبة للخليقة هل هي دار أبدية أم هي دار مؤقتة ووسيلة للدار الأبدية ، حينما ترى الناس يسعون إلى عمارة الأرض ويتهافتون في جمع الأموال والتفاخر بها و الأولاد والحسب والنسب و كأن لسان حالهم يقول إننا معمرون في هذه الأرض، ويغيب عن أذهانهم “وماتدري نفس بأي أرض تموت” فكم من إنسان وافته المنية وهو في عمر الشباب والعطاء وقد انقطع سعيه في الحياة الدنيا بأمر من الله تعالى، ولكن السؤال الذي يجب أن نعيه ونفكر فيه ماذا قدمنا من عمل صالح هل ماقدمناه سوف يكون شافعاً لنا عندالله عز وجل ودخول جنته.
إن الله عز وجل لما خلق الدنيا أوجد فيها البشر ومن سنته ورحمته أن جعل الثواب لمن أطاعه والعقاب لمن عصاه فطالما أنت في هذه الحياة الدنيا تتنفس وتعبد الله وتعمل الصالحات وتلهج بذكره فرصيد حسناتك في ازدياد ويضاعفه لك أضعافاً كثيرة، إن الله عز وجل لعلمه بتقصير عباده خصص مواسم ومواطن تضاعف فيها الحسنات وتقربه منه سبحانه فكان ذلك رحمة بهم وأجزل لها الثواب كل هذا حتى يرفعهم بالعمل الصالح قبل أن يغادروا الحياة الدنيا، ومن رحمة الله عز وجل أن هيأ لعباده سبل عبادته بأنواع شتى حتى إماطة الأذى عن الطريق صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، والمشاعر الطيبة وجبر الخواطر وعمل المعروف من الصدقات.
إن من المواقف التي يقف عندها الإنسان متأملاً عندما يذهب إلى المقابر ويرى المشيعين وقد حملوا على أكتافهم تلك الجنائز وأنت في لحظة صمت تنظر إلى ما مات عليه العبد، هل قدم عملاً صالحاً يكون أثره مستداماً بعد موته صدقة جارية له أم ولد صالح يدعو له أم علم ينتفع به، إذا أراد العبد أن يسعد في الآخرة عليه أن يبقي أثراً يكون له صدقة جارية إلى يوم القيامة ، السعداء في الدنيا هم الذين فهموا مقاصد الحياة ليست السعادة جمع المال ولكن التقوى هي السعادة في الدنيا والآخرة، يقول ابن تيمية عليه رحمة الله: “إنّ في الدّنيا لجنّة من لم يدخلها لم يدخل جنّة الآخرة”.
نحن اليوم نعيش ومازال في أعمارنا بقية يجب استثمارها في الخير والعمل الصالح ونستطيع أن نقدم الكثير من الطاعات وأن نعمل أعمالاً صالحة كثيرة ما بين صلاة وصيام وصدقة وذكر وغيرها من الأعمال الصالحة، وحينما نتأمل مقاصد الصلاة على الميت والذهاب إلى المقابر وما يترتب عليها من الأجور العظيمة قد يكون أحد مقاصدها أن نتعظ عندما نرى من فارق الحياة وتلين قلوبنا ونعرف مقدار حجمنا في هذه الدنيا وأننا لن نبقى وندوم، فمكاننا ليس تلك البيوت الفاخرة إنما حفرة في الأرض حتى يبعث الله من في القبور ثم الصراط والميزان والبيت الأبدي جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، يجب أن نذكر أنفسنا في كل وقت وحين بحقيقة الدنيا وحقارتها مقارنة بالآخرة، إلا أن بعضنا عندما نذكره بذلك فإنه لا يتعظ ويبقى في غيه لاهي القلب ويتجنب ذلك الحديث،كم من إنسان عزيز فارقناه في لحظة بسيطة من حوادث الدنيا لم يكن له أي مقدمات أو تهيئة، أخذ الله أمانته على حين غفلة ولم يستعد للآخرة، فكل شيء في هذه الدنيا سيزول ولن يبقى من حطامها إلا قاعاً صفصفاً، عن عبدِاللَّه بنِ مَسْعُودٍ قَالَ: نَامَ رسولُ اللَّه ﷺ عَلَى حَصيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: (يَا رَسُولَ الله، لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً، فقال: مَا لي وَللدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) وهكذا هي الدنيا ممر إلى دار الأخرة، وإذا علمنا ذلك فهل تستحق تلك الدنيا منا التقاطع والتدابر والتباغض والحقد والحسد والسحر وأن يبغي بعضنا على بعض؟ وهل تستحق أن نتهاجر ويشتم بعضنا بعضاً، وهل تستحق الكذب والتدليس وقهر الرجال وأكل مال اليتيم واضطهاد النساء، قد ينتصر ظالم في الدنيا ولكن ذلك المسكين لا يعلم ماذا خبأ له في الدنيا إن كانت عقوبة معجلة أو في الدار الآخرة، ولهذا يجب أن ننتبه ونحسب كل خطوة نخطوها في هذه الحياة الدنيا هل هي في طاعة أم معصية ؟
نسأل الله أن يرحمنا برحمته وأن يغفر لنا ولوالدين ولجميع المسلمين .