مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية ولد التّاجر الذي باع أباه من الفولكلور التونسي كيد الزوجة (حلقة 3 )

رانيا بطرس

ولأنّ العروس كانت من بنات الأعيان،وبين قومها ،فلقد تكبّرت على زوجها محمود وفي ظنها أنّها أحسن نسبا وأرفع مقاما، وصارت  تتتحكّم في كلّ تصرّفاته ،وهو لا يعارضها في شيء لأنه يعشقها ، أمّا حموها فقد كانت تستخف به وتقلل من شأنه ،وسرعان ما بدأت تضجر منه، فبعد أن كانت تجمعهما نفس المائدة، أصبحت تعايره بعدم إتقانه لآداب الطعام، وقالت أنه يسدّ عليها شهيّة الأكل ،فوضعه إبنه وحيدا، وكل مرّة ينقله من غرفة إلى أخرى،وهو صابر على ذلك .وفي النّهاية لم تعد إمرأته تطيق رؤيته، فرماه في الإسطبل. مع البغال والحمير ،وأشفق عليه الخدم فحملوا له طعامه هناك، لكن المرأة أوصتهم بإعطائه الأكل البائت أو ما يبقى في الصّحون .
وصار بهاء الدين يقضي كامل اليوم حذو حصانه، ويرى إبنه يبالغ في دلال الخيل ،ويعطيها أحسن أنواع الشّعير، وشيئا من الخضار :الجزر والخيار ،والفجل، ويغطيها بلحاف جديد . وقال :بهاء الدين في نفسه: لقد أصبح حال الدّواب أحسن منّي، وكان التّاجر كلّما إشتهى خضارا أخذ من آنية الحصان، وأكله .وعندما يبرد في الليل يسحب عنه لحافه الدافئ، ويتدثّر به ،وقال لقد صدق المثل :من يهب رزقه في حياته فلينتظر مماته، لكنه كان دائما يدعو لإبنه بالهداية .
حملت زوجة الإبن ،وأنجبت له ولدا.،كبر الغلام حتى بلغ عشر سنوات . وكانت الزوجة تزداد كرها لحموها بعدما رأت حالته، ، و لم تعد ترغب في وجوده حتى في الاسطبل. إذ كانت تخجل عند زيارة الناس للبيت، ومشاهدتهم لذلك الشيخ القذر مع البهائم ،ولا تعرف ما تجيبهم عندما بسألونه : من هو ذلك المتشرّد ،ولماذا لا تحسنين إليه لوجه الله ؟حتى أتت زوجها يوما وقالت له:أبوك  صار مقرفا ،لا أريده في داري هل فهمت ؟ سألها ما العمل ؟ إنه أبي !!! أجابته : لا يهمني اطرده من هنا، وإلا أخذت إبني وغادرت الدار ، أجابها: لا تقلقي، سأتصرّف معه .ولأنّه كان ذليلا أمامها، قصد أباه وخاطبه : أنا آسف يا أبي، لن تبقى في هذا المنزل بعد الآن “ إندهش الشيخ، وسأل لماذا ؟ ألم يكفك ما آل إليه حالي ،بكى وترجّاه أن يرحم شيخوخته ،على الأقل هنا يعيش بكرامته ،ولا يضطر إلى طلب الإحسان من النّاس .
لكن الإبن ردّ عليه ،أخرج حالا ،ولا تجبرني أن آمر العبيد برميك في الشارع !! قال الشيخ مستعطفا : بربك كيف سأحيا وأنا غريب هنا ؟ نظر الإبن إلى السّماء ،وقال :الله من سيرعاك ،على الأرض آلاف مثلك أحياء، لست وحدك في هذا الظرف!! ردّ الشيخ :كما تشاء، لكن أعطيني بعض المال أتدبّر به شأني !!!قال الإبن : لا أستطيع يا أبي ،فالأمر والنهي بيد زوجتي ،وهي تسألني عن كل درهم أنفقه .
نظر الشيخ إلى إبنه ،وقال له : ليتك سمعتني عندما قلت لك لا تتزوج إلا ممّن يعرف قيمتنا ،لقد إفترقنا ونحن أحياء ،ودخل بيننا الغريب، فلم نعد نعرف من نحن. وساء أمرنا ،لنا الرّزق الوفير لكننا محرومون منه بسبب سوء تدبيرنا ،تذكر فضلي عليك ولا تتركني في الشّارع، ضعني في المزرعة ،فهي بعيدة من هنا ،فلي كوخ كنت أخزن فيه الحبوب سأبيت فيه ،ولن تراني لا أنت ولا زوجتك ،ولست بحاجة لنفقتك فسآكل من الأرض ،وأشرب من الغدران ،أريد فقط لحافا أتغطى به ،أجاب الإبن سآخذك إلى المزرعة ،فزوجتي لا تذهب إلى هناك . لكن لا أقدر أن أعطيك لحافا ،فأنا أخشى أن تسألني تلك المرأة ماذا سأفعل به …

يتبع الحلقة 4 والأخيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق