مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية ولد التّاجر الذي باع أباه من الفولكلور التونسي شرط الزواج الغريب (حلقة 2 )

جاء عبد الرّحمان لاستقبال الضّيفان ،ولمّا رأى الحمار المحمّل بالهدايا والثياب الغالية التي عليهما عرف أنّهما حضرا  من أجل إبنته بيّة ،وتذكّر أنّه شاهد ذلك الولد في بيته مع ولده محمّد يلعبان الشّطرنج، فأدخلهما حجرة مفروشة بالزّرابي وعليها الأرائك والوسائد ،وخلع التاجر وابنه نعليهما ،ووضعاهما في الركن الأيسر من باب الدار ،كما يفعل أهل المدينة ،ثمّ دارت القهوة بالزّهر والحلوى ،بعد ذلك تنحنح التاجر بهاء الدّين ،فقام محمود ،وفتح الصّندوق ،فتعجّب عبد الرّحمان من الأشياء التي فيه ،وهي نفيسة من الذّهب، والعاج والصّندل، ثمّ قال :هذه الهدية تليق بالسّلاطين يا سيد بهاء الدين ، فوجد التّاجر الفرصة سانحة ليكلّمه عن بيّة .فردّ : بل تليق بإبنتك، ولقد جئت لخطبتها لولدي محمود !!! تفرّس الشيخ في وجهه، وقال له: لا أذكر أننا تقابلنا من قبل ،فهل لك أن تخبرني عن نسبك ؟ أجاب التاجر: أنا بهاء الدين بن عمر من أعيان تونس، فقطّب عبد الرّحمان جبينه لمّا عرف أنّهم من الأغراب ،ولام نفسه على إدخالهم لداره ،لكنّه تمالك نفسه ،فقد كانا عالمين بالأعراف، والتقاليد لدرجة أنّه ظنّهما من أهل البلاد،ففكّر في حيلة لرفض طلب التّاجر دون أن يحرجه، فأنشد أبياتا من الشّعر جاء فيها :

وما الشّرف بالمال
إنّما بالشّعر والأدب
ومن ينظم الكلام
هو من الأخيار ذمّة و نسب

إلتفت إليه التاجر ،وردّ : والله لقد صدقت يا رجل ، ثمّ أنشد :

قصدك أهل الشّرف
فاسأل عنّا العجم والعرب
يعرفنـا الشّعر وقوافيـه
وبحوره من بسيط وخبب

قال عبد الرّحمان :إذن تعرف الشعر ؟ أجاب التاجر :نعم !!! قال له : أنشدني إذا شيئا منه!!! فأنشده أشعارا لطرفة بن العبد ،والبحترى ،وأبو تمّام، وأعجب الرجل بأدبه ،وإنبسط منه ،ثم سأله أرى أنّك تكسب جيّدا فما هي حرفتك ؟ أجابه أنا تاجر ولي من الدكاكين ما هو في الزقاق الفلاني والفلاني،أدرك أبو الفتاة أنّ ذلك الرجل أكثر منه مالا وعقارات رغم أنّه غريب ،لم يمر على وجوده بينهم إلا بضعة سنوات ،واحترمه على علمه،وحسن تدبيره .ثم قال له : سأسألك الآن عن إبنك، كيف يكسب عيشه ؟ إستغرب التاجر بهاء الدين وقال : إنّه ابني ووريثي.” أجاب عبد الرحمان: لا يكفي أن يكون ابنك، فكما يقول المثل :تنتهي أموال االجدّين ،ولا تبقى إلاّ صنعة اليدين، ألم يتعلّم صنعة ؟ الحدادة مثلا أو الحياكة ؟ ردّ التاجر: لا، لم أعلّمه أيّ صنعة لأنه وريثي بعد مماتي،قال عبد الرحمان مستدركا : لكنّه قد لا يحسن التصرّف في رزقك، ويفنى ماله، فأضطرّ أنا لرعايته هو وزوجته وأبناءه .
أحسّ التاجر بالانزعاج من كلامه ،وقال : لا يُعقل أن تتنبّأ لإبني بالإفلاس والهموم والمصائب، وإن فكّر الجميع بهذه الكيفية،سيُبقي كلّ شخص ابنته في بيته !!! نظر إليه عبد الرّحمان و،قال: تعلّمت أن لا أثق في الدّهر،إسمع يا بهاء الدين، لكي أزوّجه ابنتي عليكَ أن تهب له كلّ رزقك ،هذا شرطي ،وأنت حرّ في إختيارك .
تعجّب التّاجر من هذا الشّرط ، وتساءل :كلّ رزقي؟ لماذا ؟ فلقد عزمت أن أوفّر له رأس مال ، وأفتح له دكّانا يتاجر فيه ،لكن الشّيخ أصرّ على رأيه، وقال: هذا لا ينفع ، ولعلمك فإنّ إبنتي عاشت في عز ودلال في بيتي ،لا أريد أن ينقصها شيئ لما تتزوّج ، هل تفهم هذا يا سيد بهاء الدّين ؟فكّر التاجر قليلا ،ثمّ قال : ليس مهمّا إن كانت أرزاقي عندي أو عند ابني، فهذا لن يغيّر شيئا ، فعاجلا أم آجلا سأموت، ويأخذ كل شيئ، حسنا لن نختلف حول هذا الأمر ،ثم كتب له كلّ أرزاقه ،وأشهد على ذلك الشهود ،وأسكنه في بيته ،ولم يبقي لنفسه سوى صرّة ملابس …

يتبع الحلقة 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق