مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية ولد التّاجر الذي باع أباه من الفولكلور التونسي الخطاّب على باب الدّار (حلقة 1 )

رانيا بطرس

يُحكى عن تاجر في أسواق المدينة العتيقة إسمه بهاء الدين ،كان ذلك الرجل بارعا في البيع والشراء، وكل ما وقعت في يده بضاعة إلاّ وربح فيها، و عرفه الناس فكانوا يقصدونه لأمانته وكرم أخلاقه. ولقد أعطاه الله من خيره إلى درجة أنّ تجّار السّوق ضاقوا ذرعا منه، وقالوا فيما بينهم إنّه يسدّ باب الرزق عليهم، فدبّروا له مكيدة عند شهبندر التجّار، وإتّهموه بالتّحيّل والسّرقة ،ودفعوا مالا ليشهد عليه بعضهم زورا . ولمّا سمع الشّهبندر بكثرة ماله أصبح يأتي إليه ،ويحقّق معه في كلّ كبيرة وصغيرة .فلم يعد التّاجر يطيق حسد التّجار في السّوق، ومعاملة كبيرهم له، فباع كلّ ما يملك بنصف ثمنه ،وأخذ زوجته وابنه ،وغادروا متوكّلين على الله وعبروا القفار ،والوديان والأنهار ،يدخلون من مدينة ويخرجون من أخرى ،حتى إنتهى بهم المطاف إلى بلاد كبيرة وافرة الخيرات أعجبت التاجر، فاشترى دارا سكنها صحبة زوجته مبروكة ،وابنه محمود ،ثمّ فتح دكّانا وسط السّوق، يبيع التوابل،والبقول الجافة من حمص ولوبيا، وكان الحظ معه ،وربح كثيرا من المال، فاشترى دكّانا ثانيا وثالثا، وحقّق نجاحا باهرا حتى أصبحت تجارته تسير في قوافل إلى بلاد الزنج ،وفي السفن حتى الاسكندريّة، وبقية مدن البحر ،فازداد ثراؤه، و لم يعد يعرف كم يوجد في خزائنه من الذّهب والفضّة .
لكن الذي ليس من أهل تلك البلاد يظلّ غريبا،فهم لا يدخلونه بيوتهم، و نادرا ما يزوّجونه بناتهم ،ولهم عادات كثيرة يحافظون عليها أبا عن جدّ ،وذلك السّبب يتجنّبون الغرباء .مضت الأيام وماتت زوجة التّاجر، فبقي على العهد معها ،ولم يتزوج ثانية، وعاش مع ابنه، وبالرّغم من ثرائه ،فإنّه لم يجد ه القيمة التي يستحقّها،فهو من الوجهاء في مدينته وأهله معروفون بالأخلاق والورع ،لكن الناس في تلك البلاد يعتزّون كثيرا بأصلهم ،وما يعنيهم في الرّجل هو نسبه بينهم ،لذلك كانوا ينظرون إلى بهاء الدين دائما على أساس أنّه غريب ،ولم يشفع له عيشه معهم منذ مدّة طويلة ،ولا صدقه وأمانته الذي إشتهر بهما في المدينة .
ظلّ التاجر يعتني بإبنه محمود حتى كبر، وأصبح شابا مدلّلا، وأتاه يوما ،وقال له: من عادة القوم الزّواج مبكّرا ،وكلّ رفاقي لهم زوجات جميلات ،وعندما أخرج للفسحة معهم أحسّ بالحزن والوحدة ،رد ّ التاجر: هذا من حقّك، لكن من سيزوّجنا ابنته؟ تعرف جيّدا أنهم لا يحبّون الغرباء !!! ولو كنّا في بلادنا لكنتُ اخترت لك أحسن البنات، وأعرقهنّ أصلا، أمّا هنا، فلا أحد يعرف قيمتنا .ردّ الإبن :لا تنس يا أبي أني نشأت هنا ،ودرست في مساجدهم ،وتأدّبت بآدابهم حتى صرت واحدا منهم ،ولي صديق ذو نسب له أخت إسمها بيّة أرغب في الزّواج منها. .سأله التّاجر : حسنا ،ومن أبوها ؟ ردّ الإبن : الحاج عبد الرّحمان، وهو شيخ جليل من الأعيان ،قال بهاء الدين: آه ،ذلك الرّجل !!! سمعت كثيرا عن تقواه، وعلمه ،لكن هل يعرف أصلنا، ونسبنا ليزوّجك ابنته؟ لم يجد محمود ما يقوله ، لكنّه انقطع عن الأكل والشّرب، وكانت حالته تسوء يوما بعد يوم، فخشي بهاء الدين على صحّة إبنه بسبب حبّه الشديد لبيّة لبنت عبد الرّحمان، فأخذ صندوقا مليئا بالتّحف والطرائف ،وذهب ليخطبها من أبيها، وهو يقدّم خطوة ويأخّر أخرى ،فالشّيخ من أكابر تلك البلاد، ومن أشدّهم حرصا على الأعراف ،وتساءل: ألم يجد محمود سوى إبنته ليعشقها ؟ولمّا وصل إلى الدّار،أمسك حلقة الباب ،وطرقها ،فأطلّ عليه خادم صغير ،وسأله عن حاجته ،فأجابه :إعلم سيّدك أني أريد مقابلته لأمر يهمّه ..

يتبع الحلقة 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق