كيف تكون الرحلةُ في عالمِ الفوضى؟
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
كلما زاد الطُّغيان أبشِر بالفَرجْ، ولكن!
قبل اتخاذ القرارات والحكم على الأمور من ظاهرها تحدثنا في مقالة الأمس عن التثبت والتّبيّن، والاعتماد على الدليل والبرهان، وقلنا ان هذا هو أحد مناهج الإسلام ويتوافق مع التوجيهات الإلهية التي كثُرت في كتاب الله تعالى ومنها قوله تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة:111)، وكذلك فقد جاء السُّنّة في الشريفة ما أورده البخاري عن رسول الله ﷺ في الأدب المفرد: “بئس مطية الرجل: زعَموا”، تسأله: ما حجتك في ذلك؟ فيقول: سمعتهم يقولون: إن وكالة (يقولون) وكالة مذمومة في كتاب الله تعالى: ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ، وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ (الصافات:151-152) وتلك فرية عظيمة عند الله، ثم لماذا يقبل المرء أن يكون صحيفة لكل من شاء أن يكتب فيها خبراً صادقاً أو كاذباً، أو قضية صائبة أو خاطئة؛ فحينئذ ينطبق عليه قوله تعالى عن أهل النفاق، والذين في قلوبهم مرض: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ (النور:15) فعندما تلقوا الخبر بآذانهم وأسماعهم، ولم يتثبتوا ولم يمرروا ذلك على عقولهم، ولا على مناهج التثبت والتمحيص، بل تسرّعوا بالنطق بالخبر وتناقلوه بألسنتهم، وقاموا بنشره وهم يعلمون أنه يمكن أن يكون فِرية، خاض الناس في الباطل واعتُبِر ذلك حدثاً من أشد ما مضى وحدث في مجتمع المسلمين، وخصوصًا أن الخبر يتعلق بإم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) فساهم ذلك في شيوع الشائعات، وكثرة القالات، (قيل وقال)، ولولا لطف الله الذي برّأها من فوق سابع سماء لحدث ما لا يُحمد عقباه، ولذلك كان ذلك من أعظم الدروس التي يجب أن تكون على الدوام حاضرة في حياة المؤمنين حتى لا يبقَ الحابل مختلطًا بالنابل..
– وأما النقطة الثانية فهي:
العدل والإنصاف
وهو من الصفات الثقيلة على النفس، ولا تطيقه سوى النفوس المؤمنة الخالصة المخلصة، حيث أن الكثير من النفوس تحمل كثيرًا من الأهواء، ومن الشوائب ومن الحقد والبغضاء والعداء ما يحملها على ظلم من يخالفها، بل وحتى على الظلم بصورة عامة خصوصًا إذا كانت تريد تحصيل شيئٍ ما لمصلحتها، أو لمنفعتها، ولذلك وخوفًا من حدوث ذلك فقد أنزل الله عزّ وجلّ تشريعًا في كتابه قرر من خلاله وجوب العدل والإنصاف وجاء ذلك في قول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ (النحل:90) فجاء القيام بالعدل على صورة أمر يتوجّب إطلاقه في كل حينٍ وحال، ومع كل أحد، وتحت كل ظرف، فإن العدل قيمة مطلقة، بل هو من أسس هذا الدين، ومن أخلاقه العظيمة، ومبادئه الرائعة البديعة، ومن هنا جاء قوله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: 8) أي: لا يحملنكم بغض قوم على أن تظلموا وتحيفوا عليهم، ولو كانوا من الأعداء وحتى لو كانوا من غير المسلمين، فيكف بغيرهم إذا كانوا من مسلمين؟!.. وأما المزيد فانتظروه في مقالة الغد بمشيئة الله تعالى.
– مقالة رقم: (1576)
09. شوال. 1445 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)