مقالات

إختلاط الحابل بالنابل (6)

بقلم: د. محمّد طلال بدران -مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلاميّة-

كيف تكون الرحلةُ في عالمِ الفوضى؟
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
كلما زاد الطُّغيان أبشِر بالفَرجْ، ولكن!
توقفنا في مقالة الأمس عند نقطة العدل والإنصاف وأهمية هذه الفضيلة في زمن الأزمات حيث أن الفتن والأزمات تثير الضغائن، وتشعل نيران الأحقاد، ومن لم تكن نفسه مؤمنة، وذو عقل راسخ، فإن الأهواء سوف تعصف به وتحرّكه وتندفع به نحو المجهول، وعندها تصبح فُرصُ الظلم الذي حرّمه الله -تعالى- هي الأقوى كما ورد في الحديث القدسي عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله ﷺ عن رب العزة قال: ” يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا..”، وحينها سوف يسيطر الشر وتتراجع القيم وتصبح الفرص مهيأة لسيطرة الظالمين المفسدين وسوف يزداد المشهد تعقيدًا وتصبح صولة الباطل أقوى وتاثيرها أكثر.
– الإخلاص والتجرد
يحتاج المسلم في زمن الأزمات إلى الإخلاص لله -عز وجل-، والتجرد من المصالح والمنافع الذاتية الآنيّة، والارتباط بمصالح الأمة والمصالح العامة، فإنه من غير المقبول مطلقاً أن يكون هناك اتباع لأهواء النفوس لتحصيل المكاسب الخاصة، أو المنافع الذاتية، مع تجاهل ما قد يترتب على ذلك من مضرة للمصالح العامة، ولذلك فلا بد من الترفّع عن الأهواء، والبعد عن حب الظهور، والابتعاد عن الانتصار للنفس والتشفي بالآخرين، وعندما تسبر تاريخ وسِيَر الصحابة الكرام فإنك سوف تجد ما يدل على سموِّ هذه المعاني والقيم لديهم، فقد أثِر عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه كان في معركة وقتال مع أعداءٍ للمسلمين فَعَلا بسيفه على رجل من أهل الشرك، فقام المشرك بسبِّ عليٍ -رضي الله عنه وأرضاه- وبصق في وجهه، فأمسك عليٌّ سيفه وتركه مع أنه كان بإمكانه الإجهاز عليه ولا يلومه في ذلك أصْلًا أي أحد، فسُئل عليّ ما بالك لم تقتله؟ قال: “خشيت أن يكون ذلك أنتصارًا لنفسي فلا أكون قتلته ابتغاء مرضات الله عز وجل”! فتلك هي النفوس التي تترفّع عن الانتصار لذاتها، والتشفي لمتطلبات أهواء نفوسها، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في زمن الأزمات، فكم من مخالف تختلف معه في قضية شخصية، ثم عندما تسنح الفرصة فإذا بالانتقام يصبح سيّد الموقف، متخطياً بذلك العدل والإنصاف، ومتناسياً التثبت والتبين، ومندفعاً مع حب الانتقام، أو كما يقال مع تصفية الحسابات؛ وحينئذ تختلط الأوراق، وتعظم الفتنة، وتتكاثر أسباب الأزمة؛ ويزداد الموقف تعقيدًا لغياب الحقائق في مِثل هذه الأمور…وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى في مقالة الغد.
– مقالة رقم: (1577)
10. شوال. 1445 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد، وجمعة مباركة
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق