مكتبة الأدب العربي و العالمي
حسن إبن التّاجر والدرويش من الفلكلور السوري الأميرة خلود بنت سلطان حلب (حلقة 2)
طارق السامرائي
في الغد إجتمع تجّار الأقمشة ،وذهبوا لدار الحاج مختار ،واشتكوا له ضيق حالهم ،وأن إبنه حسن قد قطع رزقهم ،وهم لا يجدون ما يطعمون به صبيانهم ،وترجّوه أن يضع أحدا آخر مكانه ،ففكّر قليلا ،ثمّ قال : لا تقلقوا سأفتح له دكّان عطارة أو أي شيئ آخر هل يرضيكم هذا؟ نظروا لبعضهم ،وقالوا : الأفضل أن ترسله في البحر إلى بلاد بعيدة ،ليأتيك بالبضائع ،وكان التّجار يأملون أن يغرق فيستريحون منه ،ردّ الشّيخ : ويحكم ليس لي غيره ، والآن عن إذنكم ،فأنا أشعر بالتعب، وأريد أن أنام . فخرجوا من عنده ،وهم يتميّزون من الغيظ .ولمّا رجع حسن في المساء، أخبره أبوه عن رغبته في ترك تدبير الدكان لمحمّد إبن أخيه، أما هو فطلب منه أن يفكّر بشيئ يكسب به رزقه، وسيعطيه ما يحتاجه من مال ،لم يكن من الصّعب على حسن معرفة من فعل ذلك ،وقال في نفسه: سيأتي اليوم الذي أنتقم فيه ،وأنا أعلم أنهم لن يتركونا وشأننا ،وسيجدون حيلة أخرى حتى يقفلوا الدّكان .
في الصّباح حين جاء الدّرويش أخبره الولد بما حصل ،فقال له: تعال نجلس في مقهى الخواجة “كريستو ” ونشرب القهوة !!! أعجبت الفكرة حسن ،ثم جلسا، وطلب الدّرويش نارجيلة ،وفنجانين قهوة تركي، ثم قال لحسن :لا شك أنك تريد سماع قصتي !!! فأومأ له برأسه .في هذه الأثناء وصلت الأميرة للدّكان ،وحين نظرت للبائع وجدته ولدا أسمر ونحيلا ، ،وقالت :إذن هذا هو حسن الذي يتكلم عنه أهل القصر !!! ليس فيه ما يميّزه عن غيره ،فأصيبت بخيبة أمل ،ثم مشت في السوق ،تتفرج على بضائع التّجار ،حتى إقتربت من المقهى، فرأت الزبائن متحلّقين حول رجل معه شاب فاتح العينين ،فدفعها الفضول لتقترب وتسمع ماذا يروي الرجل، ليهتمّ به الناس لهذا الحدّ ،فسمعته يقول .. وحين بدأت الشّمس في الغروب ،رأيت نورا يتللأ في السّماء ،فتعجّبت، وفجأة هتف صوت :هذه ليلة القدر ،فاطلب من الله أمنية يحقّقها لك !!!فقلت :أريد من الله أن يطيل عمري حتى أسافر وأرى الدنيا ،قال الصّوت ستعيش خمسمائة عام، لا تهرم فيها أو تكبر ،وسبحان الذي إذا قال كن ،فيكون ،ثم توقّف الرّجل عن الكلام ،وتصايح الزّبائن : أكمل الحكاية بالله عليك ،فلم نقدر أن نمنع أنفسنا من الإستماع ،وأنت تقصّ حكايتك لحسن إبن التاجر !!! فقال لهم: سنأتي غدا، وأواصل الحكاية ،فلم يعد لنا ما نفعله بعد أن أبعدنا الحاج مختار من دكّانه ،ردّ الزّبائن: لا شكّ أنّه سيندم، فكلّ الناس في حلب تحبّكما .
قالت الأميرة خلود في نفسها : لقد كان في إعتقادي أن ذلك البائع الأسمر هو حسن، لكني كنت مخطئة ،وأهل القصر لهم الحقّ ،فالولد الجالس في المقهى كالذي أراه في أحلامي، أشقر وقويّ كالفرسان ،لا بدّ أن أحتال على أمّي ،وأخرج للسّوق مرة أخرى .ثم ،إقتربت منها أحد وصيفاتها ،وسألتها :هل ذلك الولد هو حسن ؟ أجابت الأميرة في سعادة :هو بعينه ،ولا بد أن أراه غدا !!! قالت الوصيفة :والله لا أكاد أميّزه عن أولاد السّلاطين ،ولكن هل فكّرت كيف ستخرجين دون أن يفطن لك أحد ؟ أجابت خلود : سأتنكّر في هيئة رجل ،أمّا أنت ستلبسين ثيابي، وتجلسين في الحديقة، وكلّ من يطلّ من الشّرفة يراك ،وإذا ناداك أحد ،فاختفي بين الأشجار ،هل فهمت ؟ أجابت الوصيفة : نعم يا مولاتي ،المهمّ أن لا تتأخّري عن موعد الغذاء ،ويجب أن تكونين على الطاولة مع أمّك ،وأبيك السّلطان .
غدا صباحا تنكّرت الأميرة في هيئة طبّاخ ،ووضعت مئزرا على وسطها ،ثم ركبت بغلة ،وخرجت ،ولمّا رأت الحارس يحدّق فيها خافت أن تسقط اللّحية التي ألصقتها على وجهها ،وصلت خلود باكرا للمقهى ،وجلست في إنتظار الدّرويش وحسن ،ولم تقدر أن تصبر،وذهبت للسّوق، فبدأت تنظر بعينيها هنا وهنك ،ولاحظت أنّ تجّار القماش يتهامسون فيما بينهم ،وقد ظهر في عيونهم الشرّ، ثمّ رجعت لمكانها، ولاحظ صاحب المقهى نظراتها الحائرة ،وقال لها ،وهو يظنّ أنّها رجل: إسمع ،إن كنت تبحث عن الدّرويش، فهو لا وقت له، قد يأتي باكرا، وأحيانا يتأخّر، ولا أحد يعرف أن يختفي ،وفي الأخير قرّرت أن تذهب لدار حسن، وتجد عذرا لتكلّمه ،فهي لا تستطيع التأخّر كثيرا ،ولو علمت أمّها بما فعلته، سيكون عقابها عسيرا هذه الليلة …
…
يتبع الحلقة 3