مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #الرّاعي_وبنت_السلطان الجزء السادس
إلتفتت الأميرة إلى محمود ،وقالت: إني أعرف ذلك البئر الغريب ،فقد كان أبي يحملني إلى هناك ،ويقول لي أن الأرواح تسكن في ذلك المكان ،ولو أنصتّ جيدا لسمعت صوت أمّك التي ماتت وهي تضعك في الدنيا ،صاح محمود : إذن هيا بنا !!! ثم قفزا على ظهر الحصان الذي بدأ يسابق الرّيح ،وفي الطريق شاهدوا أنّ الغبار الأسود بدأ يتراجع تدريجّيا تاركا ورائه الخراب ،فرحت رباب ،وقالت للفتى :لقد نجحت يا محمود ،وبعد أن ينتهي كل شيئ سنعيد زراعة الأشجار والزّهور ،فأمسك بيدها ،وقبّل جبينها ،فلاحت عليها حمرة الخجل ،أمّا الحصان فأطلق صهيلا طويلا ،وقد أعجبه الحبّ الذي بينهما ،والمملكة تحتاج إلى ذلك الشّعور القويّ الصّادق لتواجه الشّر المحدق بها ،و ترمّم نفسها .بعد ساعات وصلوا إلى حفرة كبيرة ،لمّا أطلّ محمود فيها، لم ير إلا الظلام الدّامس ،فقال :لا أحد يمكنه النّزول ،لا من الإنس ولا من الجان ،سألته رباب ،وما الذي تبحث عنه هنا ؟ فحكى لها عن السّنبلة التي فيها ألف حّبة من القمح ،وأنّه لا يعرف لماذا تصلح ،أجابته : إبتعد، ودعني وحدي ،ثم بدأت تبكي ،وتنادي أمّها ،وسالت دموعها غزيرة في البئر .
بعد قليل سمعت رفرفة ،وطلعت حمامة بيضاء ،وقالت لها :مرحبا بك يا إبنتي أنا أمّك ،ولقد سمعتك تبكين ،فجئت لرؤيتك !!! أخذت رباب الحمامة ،ووضعتها في حجرها ،واشتكت لها ألم الفراق ،ثمّ نظرت الحمامة لمحمود، وقالت لها : ذلك الفتى ذو شهامة ومروءة ،وسيكون قلبي مطمئنا عليك وأنا في عالم الأموات. ردّت رباب :نعم يا أمي،ولكنّي أحتاجك في أمر،سأتها أمّها ،و ما هو يا إبنتي ؟ أجابت الفتاة :السنبلة الي فيها ألف حبة ،نزلت الحمامة، وبعد قليل صعدت وفي منقارها سنبلة ذهبية اللون ليس في الدّنيا أجمل منها لونا ،ثم قالت لها : سأرحل الآن فلقد إطمئن قلبي عليك، ثم غاصت في البئر ،قال الحصان : أعلم أن هذا الأمر محزن، لكن لا بدّ من الرجوع إلى المملكة لكي تتزوّجا ويقود محمود المعركة ،فالقوم يزحفون علينا من جبلهم !!! بعد رحلة طويلة وصلوا للمملكة ،فاستقبلهم النّاس بالطبول والزغاريد ،وبدأوا يهللون ويكبّرون لرؤية الأميرة بخير، ثم حضر أحد المشائخ ،وكتب قرانهما ،بعد ذلك وقفت رباب خطيبة في الناس ،وحمدت الله وأثنت عليه :ثم قالت: إعلموا أننا ربحنا معركة ضدّ السّاحر، وأوقفنا المرض والخراب حولنا ،لكن الحرب لم تنته ،وذلك الملعون قادم بجيشه من المردة والغيلان ،فمن يأتي معي ؟ صاح كلّ النّاس :نحن معك رجالا ،وصبيانا وشيوخا ،ثم سار الجميع إلى القصر ،وعظم عددهم ،وفي أيديهم المشاعل، والمذارى ،والعصيّ .
سمع ناصر بالجموع الغفيرة التي تقودها رباب والمشائخ ،فأمر بإغلاق الأبواب، واستدعاء جنود الجن الذين في سراديب القصر،لكن أحد القادة الشّجعان ،واسمه نور الدّين :قال :مملكتنا اليوم محتاجة لوحدة الصّفوف، ولقد رأينا ما جرى لبلادنا بسبب طاعتنا لناصر، وهو لا يهمّه إلا نفسه، ولا يقلقه أن يكون سلطانا على مملكة من الخرائب والموتى ،لقد عزمت أن أبايع الأميرة رباب، وأنضمّ للعامّة التي تقاتل من أجل نسائها وأطفالها ،فقال الجنود :نعم الرّأي يا نور الدين!!! ثمّ جروا إلى السّراديب ،وصبّوا فيها الزّيت، وأشعلوا النّار، ثم سدّوا المدخل على جنود الجنّ ،فتعالت صرخاتهم ،واحترقوا، ثم ذهب نور الدين إلى قاعة العرش، وترجّاه ناصر ليتركه في منصبه ،ثمّ فتح له صناديق الأموال ،لكنّه رماها على وجهه ،فأشار السّلطان بغضب إلى حرسه ،ليدافعوا عنه ،لكن لم يتحرّك منهم أحد ،فوثب عليه رجال نور الدين ،وجرّوه من لحيته، وهو يستغيث،و ألقوا به من النّافذة مع ذهبه ،فوقع على الأرض، وتهشّمت أضلاعه ،ثمّ خرج الجند من القصر، وهم يلوّحون بسيوفهم ،ورماحهم ،ويهتفون بحياة الأميرة رباب …
…
يتبع الحلقة 7 والأخيرة
من قصص حكايا العالم الاخر