مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #الحرّاث وإبنة الجار جزء٤
عندما رجع محّمد في الليل أخبرته أمّه بموافقة حنان على الزّواج ،ففرح ،وقال لها: غدا سننزل من الجبل ،فهناك سوق كبير كلّ يوم خميس ونشتري لها الثياب والعطور . لم تنم البنت ليلتها من الفرحة ، فهذه أوّل ،مرة ستخرج فيها من الجبل ،وقد سمعت أنّ هناك قرى عامرة وبساتين ،وسترى كلّ ذلك بعينيها ،وترى السّوق ،وما فيها من خيرات كثيرة في الفجر ركبت امه الحمار ،أمّا هي فسارت مع محمّد على قدميهما ،وبعد أن ساروا في مسارب ضيّقة وصلوا إلى قرية كبيرة ،ورغم أنّ الوقت لا يزال مبكّرا إلا أنّ الحركة كانت نشطة ،والعربات المليئة بالبضائع تتزاحم في الأزقة ،وهناك باعة جالسين على الأرض وأمامهم أكداس الثّمار والخضار وقد علت أصواتهم ،قال محمّد :إستريحا قليلا تحت هذه الشّجرة ،وسأحضر لكم الفطائر، لكن حنان لم تطق الإنتظار،وقالت لحدّة : سأقوم بجولة صغيرة ،فكل ما هنا رائع وجميل ،أجابت المرأة : حسنا ،لا تبتعدي كثيرا ،ولمّا إلتفتت إليها وجدتها قد ذهبت تجري ،فقالت : ويحك ألا تعرفين الصّبر يا إبنتي !!! مازال أمامنا يوم كامل أمامنا .
وبينما هي تتجوّل سمعت صوتا يناديها ،فتعجّبت ،فهي لا تعرف أحدا هنا ،ونظرت وسط الناس، وفجأة شهقت حين رأت شعبان واقفا أمامها وهو يبتسم ،لم تعرف الفتاة ماذا تقول فهذا آخر ما كانت تتوقعه،قال الفتى لقد أتيت في الموعد كما إتفقنا ،،وذهبت إلى إخوتك لكنهم طردوني ،وبعد فترة قابلت ذلك الحرّاث وحكى لي عن كل شيئ ، فدرت في الجبل ،وفتّشت عنك في كلّ مكان ،وكنت متأكّدا أنّي سأجدك ،فقد أخبرتني عرافة عجوز بذلك ،هيا قصّي عليّ ماذا حدث لك ، وأين كنت مختفية طوال هذه المدّة ؟إبتلعت حنان ريقها بصعوبة ،وقالت لهّ أنا مخطوبة ،وسأتزوج قريبا ،والآن دعني وشأني !!! فاصفرّ لون شعبان ،وسألها هل هذا قرارك ؟ تردّدت قليلا ثم أجابت: نعم ،في تلك اللحظة رأت محمّد قادما من بعيد، وفي يده قرطاس الفطائر ،فقالت لشعبان: عن إذنك سأذهب الآن !!!
لاحظ شعبان نظراتها ثم سألها هل ذلك الصّياد محمّد هو من إختاره قلبك ؟ إنه فتى جيّد لكن أنصحك أن تعرفي قصّته، ثم مسح دموعه وانصرف همت الفتاة أن تجري وراءه لتسأله ،لكنها قالت :لماذا علي أن أصدّقه ؟ فهو قال ذلك ليفسد زواجي ،لما أتى محمّد قال لها بانفعال :لماذا تتجّولين وحدك ؟ وكيف تركتك أمّي ؟ سيكون لي معها حساب !!! استغربت البنت من ثورته فهي لم تبتعد كثيرا ،ثمّ هي حرّة تفعل ما تشاء . بقيت حنان تقلّب الفطيرة في يدها ،ولم تأكل ،فلم يعجبها تصرّف محمّد الذي ظل يرمقها بنظرات غاضبة، لكن حدة لاطفتها حتى رضيت ،وأكلت فطيرتها ،ثم داروا في السّوق ،واشترت لها كل ما إختارته ،وكان محمّد يفتح كل مرّة صرة ماله، ويدفع الثمن ،فقالت حنان في نفسها :له كل هذا الخير ويسكن مع أمّه في خيمة !!! ترى أي سرّ يحاول إخفاءه ؟
ثمّ ورد في بالها قول شعبان ،وقرّرت أن تتريّث في الزّواج فهي لا تعرف شيئا عن محمّد وهو يغيب أكثر النهار ،ولا يخبرها ماذا يفعل ،ولما وصلوا قالت لها حدة سأبدأ الآن في نسج خيمتك ،وستكون كبيرة ،فشكرتها حنان ،فهذه المرأة تحبّها بصدق ،وتعطف عليها كإبنتها ،ثم فكرت في شيئ غريب، فهل محمّد إبنها الحقيقي أم إستبنته ،فهو لا يشبهها سواء في مظهره أو طباعه ،و ستحتال على المرأة لتعرف منها ذلك ،ثمّ قالت: ما أعجب الأقدار !!! اللّقاء مع شعبان لم يكن صدفة، لقد جعلني أفكّر، وأنظر لما حولي ،وقد لا تكون الحياة في خيمة وسط الجبل هو ما كتبه الله لي …
…
يتبع الحلقة 5
من قصص حكايا العآلم الآخر