مكتبة الأدب العربي و العالمي
الحرّاث وإبنة الجار الجزء الثالث
خرجت حنان في ذلك الليل البارد ،ولم تحمل معها سوى كسرة شعير،ثم هامت على وجهها في ذلك الجبل ومشت إلى أن أحست بالتعب والجوع ،فجلست تحت شجرة لتستريح وتأكل لكنهاسمعت صوتا يقترب منها ،ولما رفعت رأسها شاهدت ذئبا واقفا ثم بدأ يعوي في ذلك الظلام ،فجرت بكل ما تملك من قوة ،وأصبحت الخطوات خلفها كثيرة ،والعواء مخيفا ،وفجأة تعثرت في غصن وسقطت وقبل أن تغيب عن الوعي سمعت طلقة بارودة ،ثم إقترب منها بدوي ،وسمع إن كانت تتنفس أم لا ،وشعر بالإرتياح فقد كانت حية ،فوضعها على ظهر حماره وسار بها إلى أن وصل لخيمة من وبر الماعز ،فنادى أمّه لتساعده في إدخال الفتاة ،كانت المرأة تطبخ حساءا ،فتركت قدرها على النار ،وفرشت لها حصيرة ثم غطتها ،ومسحت وجهها بماء الورد ،ففتحت حنان عينيها ببطئ ،وقالت :أين أنا ؟ردت عليها المرأة :أنت في أمان يا إبنتي، أنا إسمي حدّة، وذلك الفتى هو إبني محمد ،ولقد وجدك لمّا كان عائدا من الصيد !!!الحمد لله على سلامتك ،ثم مدّت لها صحفة من الحساء السّاخن ، فأكلت قليلا ،وشعرت بالدفئ في جسدها،جديد ،ثم شكرتهما على كرمهما ،و نامت ملئ جفونها .
أمّا محمّد، فبات في مغارة صغيرة يضع فيها عنزاته ،وفي الصباح نهضت حدّة باكرا، مثل عادتها،فأشعلت الحطب ثم عجنت أقراص الشعير ،وجاء محمّد بإناء فيه حليب الماعز، وبالبيض ،فشمّت حنان رائحة الخبز، والتفتت حولها فرأت قطة نائمة بجوارها ،فأخذتها في حضنها، ومشت إلى المرأة وابنها ،وسلمت عليهما فدعوها إلى الطعام ،فغسلت وجهها ويديها في عين صغيرة وسط الصّخور ،وجلست معهم ،ومدّت يديها باستحياء للطعام ،لكن المرأة حلفت عليها أن تأكل حتى تشبع ،فهي مثل إبنتها ،وكانت حنان جائعة فأكلت ،وإنبسطت نفسها ،ثمّ سألها محمّد عمّا كانت تفعله وحيدة في تلك الليلة الباردة ،فقصّت عليهما حكايتها ،ثمّ بدأت تبكي ،وتشهق على حضّها السّيئ ،فخفّف الصّياد من روعها ،وقال: ستبقين معنا، وسأبحث عن شعبان ،فلا تحزني !!! أمّا عن إخوتك فلن يأتي أحد منهم إلى هنا ،فلا يوجد سوانا في هذا المكان البعيد ،ونحن أيضا عانينا من الأقارب الذين يعادوننا بسبب ميراث أبي ،فليس هناك أشدّ سوءا من الأهل ..
مضت الأيّام ،ولم يظهر شعبان في الجل، وبدأت حنان تتعوّد على حياتها الجديدة،وكانت الإمرأة في غاية الكرم معها ،وقالت لها: أنت إبنتي التي لم يرزقني الله بها ،وصارت تشتري لها الملابس ،وكلّ ما تشتهيه ،أمّا محمّد فكان يكسب جيّدا من بيع جبن الماعز، والبيض للقرى القريبة، وأيضاا الأرانب البرّية التي يصطادها . وكثيرا ما كانت حنان تخرج معه للغابة فيجمعان الفطر و الأزهار ،وبدأت تشعر بالحبّ يملأ عليها حياتها ،وقرّرت أن تنسى شعبان ،فمن أدراها أنّه يقول الحقيقة ؟وأنّ وعده بالرّجوع مجرّد كلمات لطمئنتها في الوضع المحرج الذي وجدت نفسها فيه ،وكانت تعرف أنّ محمّد يعشقها ،فنظراته لا تغادر وجهها .
أحد الأيام بينما كانت جالسة تقطع اللحم ،جاءت المرأة ،وجلست أمامها ،ثم قالت لها : كما تعلمين، لم يرزقني الله إلا بولد واحد، وأنا أريد أن أفرح به وأرى صغاره ،ولم يغب عنّي أنه مهتمّ بك فما رأيك في الزواج ؟سأصنع لك خيمة جميلة ،وأجهزّك بما كل تحتاجين إليه !!! تفاجأت حنان، فلم يمرّ على وجودها هنا سوى ثلاثة أشهر،صحيح أنّ محمّد فتى لطيف ،لكن الزّواج يبقى قرارا صعبا ،والأكثر من ذلك أنّها ستعيش في خيمة ،وهي التي تربّت في دار كبيرة فيها البئر ،والسقيفة ،والسطح الذي يجفّفون عليه ملابسهم والعولة ،لكن الشيئ الإيجابي هو أنّها في مأمن من إخوتها الذين يسعون لقتلها ،وبعد تفكير طويل :أجابتها :لقد كنت يتيمة فأصبحت لي أمّا ،وغمرتني بعطفك لذلك فإن الرّأي ما ترينه !!!أطلقت حدّة زغرودة طويلة ،وقالت لها :تعالي إلي لكي أضمّك في حضني …
…
يتبع الجزء 4