الأستاذ يركنبيك شوقاي
مدير مركز الدراسات العربية بجامعة الفارابي الكازاخية الوطنية
كلمة موضوع المداخلة: دور العامل الديني في نشر اللغة العربية على أرض كازاخستان
أيها السادة والسيدات والحضور الكرام!
نبذة عن دور الإسلام في تعلم اللغة العربية في التاريخ
إن دعاة الإسلام الأوائل وصلوا على أراضي كازاخستان الحالية بعد أحداث معركة طلاس عام 751الميلادي والتي جرت بين مسلمي الخلافة الإسلامية العربيةالذين تقدموا على طول الطريق الجنوبي لطريق الحريربقيادة القائد المسلم زياد بن صالح وقوات إمبراطورية تانغ. ودخل الأتراك هذه المعركة إلى جانب العرب وألحقوا معًا هزيمة ساحقة بالإمبراطورية الصينية. واستقر المسلمون في ما وراء النهر حيث التقت طرق القوافل القادمة من الصين والهند والشرق الأوسط وسيبيريا وشمال أوروبا. كتب المؤرخ الأكاديمي بارتولد في كتابه “تركستان في عصر الغزو المغولي” أنه بعد معركة أتلاخ بدأ الأتراك تدريجياً في اعتناق الإسلام.
في البداية، بالقرن التاسع تغلغل الإسلام في المناطق المستقرة في الجنوب. نتيجة الفتوحات السامانية زاد إقبالأتراك الكارلوك على الإسلام وبعد ذلك بحلول نهاية القرن العاشر ترسخ الإسلام بين السكان المستقرين في منطقةجيتيسو ونهر سيرداريا مما أدى إلى التكون التدريجي لـثقافة إسلامية مشتركة بين السكان المحليين والمجتمعات الإسلامية في آسيا الوسطى ذات العرقيات الخاصة بها.وتم تعزيز مواقف الإسلام في عهد أسرة كاراخان (سنوات الحكم في فترة 940-1212 الميلادية) وكان أول حاكم مسلم من هذه السلالة هو ساتوك بن عبد الكريم بوغرا خان وهو كان في نفس الوقت مؤسسا للدولة وتوفي عام 955. وفي عام 960 أعلن ابنه بوغرا خان هارون موسى الإسلام دين الدولة وبذلك بدأ الإسلام ينتشر في المناطق المستقرة والبدوية من البلاد.
وبطبيعة الحال أثر الإسلام في تطور ثقافي في المجتمع وساهم نشر قيم الدين الإسلامي بين الناس في إقامة روابط ثقافية وروحية وعلمية بين المنطقة ودول الشرق الأدنى والأوسط. وأصبح التواصل الدائم بين ممثلي مختلف الشعوب أساسا لازدهار المعرفة والفنون في عصر النهضة الإسلامية في القرنين التاسع والثاني عشر. لقد قدم العلماء المسلمون مساهمة كبيرة في تطوير علم الجبر وعلم المثلثات والفيزياء والبصريات وعلم الفلك وغيرها من التخصصات العلمية وحققوا أعلى الإنجازات في علم الفلكوكان الشرق الإسلامي في العصور الوسطى متقدمًا بشكل كبير على أوروبا من حيث مستوى تطور الطب. تم تلخيص إنجازات الطب العربي في “قانون الطب” للكاتب الشهير أبو علي بن سينا (ابن سينا). أعطت الفلسفة الشرقية في العصور الوسطى زخمًا قويًا لتطوير العلوم والثقافة الإسلامية الكلاسيكية في آسيا الوسطى. وكان أشهر ممثلي العلم والفلسفة المفكرين الكبار الفارابي، وجوسوب بالاساجوني، ومحمود كاشغري، ومحمد حيدر دولاتي. وكل هذه الإنجازات العلمية كانت باللغة العربية. لأجل ذلك أقبل المجتمع على تعلم العربية في المنطقة. وبداية من القرن العاشر الميلادي حتى عام 1929 يعني حوالي عشرة قرون تم استخدام الأحرف العربية للكتابة والقراءة على أراضي كازاخستان.
بدأت الدعوة المقصودة للإسلام بين البدو في عهد بيركي خان (1257-1267) سلطان ألتين أوردا وخاصة هذه السياسة قويت في عهد أوزبك خان (1312-1341)وزاد تعزيز مكانة الإسلام في القرن الرابع عشر بوصول الأمير تيمور (1370-1405) إلى السلطة. في هذا الوقت بدأت تتشكل مراكز تعليمية قوية للفقه الحنفي على أراضي كازاخستان الحديثة. وساهم خوجة أحمد ياساوي، وهو شاعر وأحد علماء التصوف الأوائل في العالم الناطق بالتركية مساهمة كبيرة في نشر الإسلام بين السكان الأتراك الرحل في جنوب كازاخستان. وفي تلك المدارس تم تعليم اللغة العربية كوسيلة لازمة لتعلم مواد شرعية وغيرها من العلوم.
وضع تعلم اللغة العربية في المساجد
على مدى السنوات الماضية القريبة عملت السلطات الكازاخستانية على توسيع فرص التعليم الديني في المؤسسات الدينية ومنها المساجد. إنها تتبع رسميا للإدارة الدينية لمسلمي كازاخستان وهي ما يسمى بمفتيات بين الناس. على ما أرى أن المساجد تخدم تعليم اللغة العربية بنواحي عدة. منها:
بعض الكتب والمؤلفات المعتمدة لتعليم اللغة العربية في المؤسسات التعليمية الدينية الكازاخية
في كازاخستان تعمل تسع معاهد تابعة لمفتيات وست جامعات على إعداد الكوادر والمتخصصين في المجال الإسلامي الديني وهي: الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية “نور مبارك” التابعة لوزارة الأوقاف المصرية ومفتياتالكازاخية، جامعة الفارابي الوطنية الكازاخستانية، الجامعة الوطنية الأوراسية، جامعة ولاية كاراغندا، الجامعة الكازاخستانية التركية الدولية في مدينة تركستان والجامعة الكازاخستانية للعلاقات الدولية واللغات العالمية بألماتي.
ويعمل المعهد الإسلامي لتدريب الأئمة منذ عام 2002. حتى الوقت الحالي قام المعهد بتأهيل أكثر ألف إمام على مستوى الجمهورية.
وتعمل المعاهد الشرعية التي تتبع لمفتيات وجامعة “نور مبارك” على تحضير الأئمة والخطباء ومعلمي اللغة العربية وأدبها والمترجمين. وقد تخرج من جامعة نورمبارك حتى الآن أكثر من ألفي طالب.
لدى الإدارة الدينية لمسلمي كازاخستان برامج تعليميةمشتركة مع مصر وتركيا. وبموجب اتفاقية بين مفتياتوجامعة الأزهر يقدم الجانب المصري منحا مجانيةللطلاب كل سنة للدراسة الدينية الشرعية في مصر. والجانب التركي كذلك يؤمن منحا مجانية دراسية وبناء على ذلك درس كثير من الدعاة الكازاخيين في الخارج وساهموا مساهمة كبيرة في نشر اللغة العربية في كازاخستان.
من الكتب التي أكثر استخداما في تعلم الأحرف واللغةالعربية بالمساجد والمعاهد الشرعية ما يلي:
إسهام تعليم القرآن الكريم والإقبال على تعلمه في نشر اللغة العربية
إن القرآن الكريم أصبح منذ ظهور الإسلام مرجعا ودافعا أساسيا لتعليم اللغة العربية وتحفيزا لتعلمها بما أنه كلام الله العربي التنزيل كما قال الله تعالى في كتابه الكريم “قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون” (الزمر –28). والقرآن الكريم فريد من نوعه من حيث السياق والفصاحة والتراكيب وتحدى العالم كله إلى قيام الساعة بما في ذلك العالم العربي بإتيان مثله ولم يلق جوابا بعد ولن يلقى إلى قيام الساعة. وهذا الكلام العربي المعجز ساهم إسهاما كبيرا في نشر اللغة العربية في أرض آسيا الوسطى والعالم أجمع ومن حيثيات ذلك يمكننا إيراد ما يلي:
ختام المداخلة والتوصيات
إذا أن دور العامل الديني الإسلامي في نشر وتعليم اللغة العربية في آسيا الوسطى عامة وكازاخستان خاصة دور رئيسي هام وتاريخي. وينبغي لنا أخذ هذا الدور بعين الاعتبار والاعتراف به وتفعيله بشكل صحيح وفعال في إطار الأوضاع المعاصرة المعولمة.
وبناء عليه في الختام إنني أريد أن ألفت نظر الحاضرين المشاركين في مؤتمر اليوم إلى ما يلي من المقترحات:
ختاما أشكركم كثيرا على حسن الاستماع والإنصات!
ونشكر حكومة الشارقة وحاكمها سمو الشيخ سلطان القاسمي ومجمع اللغة العربية بالشارقة وعلى رأسه الأمين العام الدكتور محمد المستغانمي على حسن الضيافة والاستقبال وتنظيم فعالية اليوم!