اقلام حرة
عن قوانين المنطق وتسلسل المشهد والإعتبارات التي يفرضها الواقع القاسي المليء بالحدود والضوابط.
الناجون.
لولا أحلامنا لفقدنا سحر أيامنا، ودخلنا العصر الجليدي لعوالمنا، وعلت غبار كثيفة مشاعرنا، وأصاب الصدأ نظراتنا. البعض يمرر نهاراته بالتعامل معها كأمر لا بد منه، ينتظر ان يحل الليل ويستسلم للنوم، واعدا نفسه بحلم جميل يغير رتابة الأيام التي سجنها الواجب وسكنها ملل الإحباط والتعثرات، وأشياء كثيرة أقل ما يقال عنها: نزف السنوات المغادرة.
الأحلام سر من أسرار الابتسامات، لأن عشاق الأحلام سيمرنون أنفسهم على رسم الدوائر في لياليهم التي يلجون منها الى مسارح وبلدان وعوالم، أنهم رحالة موعودون بمطارات ومحطات ووجوه ومواعيد للفرح والألوان، وآلاف الأمور الخارجة عن قوانين المنطق وتسلسل المشهد والإعتبارات التي يفرضها الواقع القاسي المليء بالحدود والضوابط.
الكوابيس تختلف عن الأحلام، لأن الأخيرة تشبه ما يكتب من قصص كرتونية لإسعاد الأطفال، حيث يبنون على فكرة معينة خيالهم المجنون في أحيان كثيرة والذي يركز على ابراز البيئة الساحرة للحدث وللشخوص وحتى للأصوات، هذه القصص يعملون على تجسيدها بأفلام تجذب الملايين لأنها تعمل على خيال المتلقي، حيث تكون الإبتسامة الصادقة والدمعة الصادقة، هما حصاد المشاهدة او القراءة.
اما الكوابيس، لاسمها وقع مخيف، وتأثيرات سلبية وكأنها أفلام رعب تستهدف الجهاز العصبي، غايتها تدمير تركيزنا وتركنا في عوالم الشك المخيفة، يطلق عليها أيضا الأحلام المزعجة التي تؤرق الإنسان وتجعله يستيقظ مرعوبا خلال النوم، لأنه يعيشها بكل تفصيلة وكأنها واقع حقيقي، فيرتفع الأدرينالين ويخفق القلب بسرعة، وقد يعاني من التعرق، وهي عامة لا تحدث الا في ساعات الصباح الأولى، أي بفترة النوم العميق عند الإنسان، والجميع لا يرغب بها، بل يتمنى ان لا يقع تحت تأثيرها الذي قد يترك الإنسان مزعوجا في كل نهاره .
اذا نحن ابناء الأحلام ولا أحد منا يرغب برعب الكوابيس، وكما احلام الليل وكوابيسه هناك احلام اليقظة التي هي بوابة الأمل لمن اغلقت في وجهه سبل العيش وأبواب الرزق وغادره حبيب اوغدره صديق، انها بوابة واسعة تشبه الشاحن الذي يزود هواتفنا الذكية بالطاقة فتعمل لساعات أطول، نحتاجها لننهض من أحلامنا أو كوابيسنا، ونفتش عنها في مصادفات القدر آملين ان يرسل لنا الله سبحانه وتعالى يدا خفية تغير معادلات الفشل وتبدلها بخلطة حظ سحرية لننتقل من حال الى حال. علينا ان نقر أن العالم اليوم يسجل أعلى نسبة شهدها الأنسان من الخوف والقلق الإقنصادي والوجودي، فالمعرفة المنتشرة التي تبث لنا أخبار المتغيرات الطبيعية والإقتصادية وأخبار الحروب والموت المجاني والإنهيارات العالمية في كل شيء تقريبا، تجعلنا تحت ضغط كبير، فنحن نعرف معرفة عاجزة غير قادرة على فرض ايجابيتها، فننزوي في عوالمنا الثلاث، أحلام النوم واليقظة وكوابيس المجهول، ربما لا يجد البعض ان الأمر بهذا السوء وليس ما أقوله نظرة سودواية، بل هو بقع ضوء، ترشدنا الى بوابات العبور، وتحدد لنا البوصلة رغم اننا قد نصطدم بمسارات أكبر من ارادتنا. اليوم، كثر يعلنون افلاسهم وعدم قدرتهم حتى على الهروب نحو تلك العوالم، ويعرضون للبيع على منصات شبكات التواصل أحلامهم وافكارهم، أمانيهم ومشاريعهم وحتى اعمارهم. أحلام للبيع فهل من راغب بأن يشارك مزاد الأحلام هذا، وجنون السلع المعروضة بلا قيود او شروط .
الأحلام والأمنيات وحتى الكوابيس، ممالك خاصة لا يمكن ان نتنازل عنها، والتنازل عنها يشبه موت الفيلة الذين يشعرون بقرب الموت فيتجمعون بمكان واحد ويموتون موتا جماعيا. الحياة أنهر تتدفق وبراكين تتفجر، وما نعيشه اليوم هو مرحلة لطالما كانت موجودة تاريخيا ولطالما عانى الإنسان من متغيرات جذرية وانقلبات في كل محيطه، ومع هذا ناضلت البشرية واستمرت وانتصرت ارادة البقاء، كل ما علينا فعله هو ان نتكيف ليطلق علينا: الناجون.