عواصم ثقافيه
تاريخ الحروب الصليبية
✏ تاريخ الحروب الصليبية … (73)
💢 History Of Crusades
———————————————————————-
🔸ترك الطفل عماد الدين زنكي حلب بعد مقتل أبيه، فلم يكن يستطيع – على رغم حب كل الناس له – أن يعيش في بلد يحكمه تتش قاتل أبيه، وخاصة أن تتش كان ظالمًا فاسدا لا ينظـر مطلقًـا إلى مصالح أُمته، بل لا يصرف وقته ولا جهده إلا لمصالحه الخاصة فقط .
————-
فإلى أين انتقل عماد الدين زنكي؟!
لقد انتقل إلى الموصل !
👌ولعلَّ هذا الانتقال في الأساس كان لولاية كربوغا على الموصل، وكربوغا هو أمير تركماني تحدثنا عنه أيام بدايات الحروب الصليبية، وكان صديقًا شخصيا لآق سنقر،
فلما مات استقدم ابنـه عماد الدين زنكي، وضمه إلى جيشه، وكان هذا في سنة 489هـ، وعماد الدين زنكي في الثانيـةَ عشرةَ من عمره وأخذ يوالي تدريبه على الفروسية والقتال وإدارة الجيوش، وهكذا قَيض الله سبحانه لعماد الدين زنكي من يصقل شخصيته، وينمي مواهبه .
🔹واشترك عماد الدين زنكي فعلاً في القتال مع كربوغا لأول مرة حين كان يخضـع بعـض الولايات لحكم السلطان بركياروق، وكان عماد الدين زنكي لا يتجاوز في هذه المعركـة الرابعـةَ عشرةَ من عمره .❗
وفي حياة كربوغا – وتحديدا في سنة (491هـ) 1097م – احتـلَّ الصـليبيون مدينـة أنطاكية، وأرسل السلطان بركياروق جيشا بقيادة كربوغا لحرب الصليبيين، ولكن الجـيش منِـي بالهزيمة كما مر بنا .
ولا ندري إن كان الطفل عماد الدين زنكي كان مشاركًا في هذا القتال أم لا، ولكن المؤكد أنه عاش قضية الصليبيين من أولها، فلا شك أن كل الأحاديث التي كان يسـمعها في بلاط كربوغا كانت تدور حول الصليبيين.
👌لقد عاش عماد الدين زنكي قصة الحروب الصليبية من أولها !
🔹ومات كربوغا سنة (495هـ) 1102م ، وكان عماد الدين زنكي في الثامنةَ عشرةَ من عمره، وكان من توفيق الله أنَّ الذي تولَّى الإمارة في الموصل بعد ذلك كان جكرمش .
وكان جكرمش أيضا من أخلص أصدقاء الأب قسيم الدولة آق سنقر، ومن ثَم استكمل مسيرة كربوغا في تربيـة عمـاد الدين زنكي، وفي تقديمه على غيره، وتعليمه كل فنون القيادة والإدارة.
👌إننا نرى بوضوح أن الله تعالى قد سخر لعماد الدين زنكي من يضع قدمه على الطريق، ويوجه خطواته التوجيه الأصوب.
🔹وعند عزل جكرمش سنة (500هـ) 1106م، حكم الموصل جاولي سقاوو، لكن جاولي كان على خلاف الأمراء السابقين، لقد كان ظالمًا فاسدا لا يفكِّر إلاَّ في مصالحه .
بل وصل الأمر في سنة (501هـ) 1107م، أي بعد سنة واحدة أن قرر جاولي أن ينفصل بحكم الموصل عن سـلطة السلطان محمد السلجوقي، وهو السلطان الـذي خلَف أخاه السلطان بركياروق منذ سنة (494هـ) 1100م،
👌وهنا يتخذ عماد الدين زنكي موقفًا عجيبا ! لقد كان آنذاك في الرابعة والعشرين من عمره فقط، ومع ذلك فقد قرر أن يخرج من جـيش جاولي، وهو رئيسه المباشر، لينضم إلى السلطان محمد السلجوقي !
❗ وكانت هذه الخطوة في منتـهى الخطورة عليه، لكنه أقدم على هذه الخطوة دون تردد مكَررا ما فعله أبوه قبل ذلك بخمسةَ عشر عاما بحذافيره ❗
👌 لقد كانت الرؤية واضحة تماما عند عماد الدين زنكي أن ولاءَه الرئيسي للسلطان العـادل محمد السلجوقي، وليس للأمير الظالم جاولي، ولا بد أن يعلن هذا الولاء، ولو كان الثمن منصبه، بل و لو كان الثمن هو حياته !
ولكن الله سلَّم، وحفظ عماد الدين زنكي، وباءت ثورة جاولي بالفشل، وعرف السـلطان محمد السلجوقي القائد الشاب الجديد عماد الدين زنكي ابن قسيم الدولة المشـهور والمحبـوب إلى ملكشاه والد السلطان محمد، وأوصى السلطان محمد بعماد الدين زنكي خيرا، ورفع ذلك اسمـه في عيون الجميع.
👌ثم كانت لحظة فارقة في حياة عماد الدين زنكي، حين تولَّى أمر الموصل شخصيةٌ من أعظم الشخصيات في التاريخ الإسلامي، وهو مودود بن التونتكين رحمه الله، وقد مر بنا طرف من حياته،
وكانت هذه الولاية مدة ست سنوات، كان فيها عماد الدين زنكي من أقرب الناس إلى مـودود ،ومن أدراك من مودود !!
إنه – كما مر بنا – من أصلح الأمراء، وأتقاهم الله، وأحبهم للعبادة، وأعدلهم مع الرعيـة، وأخلصهم في الجهاد في سبيل الله، وأرغبهم في وحدة المسلمين، وأكرههم للصليبيين، لقد أدرك عماد الدين زنكي مودودا رحمه الله، وكان عماد الدين زنكي في ريعان شبابه، فقد صحبه حين كان يبلغ من العمر أربعة وعشرين عاما، وقُتل مودود، وقد بلغ عماد الدين زنكي ثلاثين عاما.
👌إنها فترة النضج الحقيقية في حياة المجاهد عماد الدين زنكي، شرِب فيها عماد الدين زنكـي كل توقير وتقدير للشريعة.
وشرب فيها كيف يمكن بذل الوقت والجهد والنفس في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض.
وشرب فيها كل المهارات القيادية والفنية والقتالية التي يتمتع بها مودود .
وشرب فيها الشجاعة والجرأة والفكر العسكري الصائب.
وشرب فيها في ذات الوقت كراهية كبيرة للصليبيين الذين استباحوا بلاد المسلمين، وللباطنية الذين قتلوا مودودا رحمه الله، وللزعماء التافهين الذين تركوا مودودا في أزمته، بل أغروا به سفهاءهم ليقتلوه .
🔹ومع مودود – وفي سنة 507هـ\ 1113م – شهد عماد الدين زنكي موقعة الصنبرة .
حيث ذاق حلاوة النصر على الأعداء، وذاق طعم العزة والكرامة، وأبلى عماد الدين زنكي في هذه الموقعة بلاءً حسنا غير مسبوق، وأظهر شجاعة نادرة
، ومقدرة قتالية فذَّة، حتى اكتسـب شـهرة واسعة في كل بلاد المسلمين، وصار حديث الناس، كما كان أبوه حديث الناس وأشد !
ثم قُتلَ مودود رحمه الله.
😐وكانت صدمة كبيرة لعماد الدين زنكي، فقد أحبه حبا شديدا من أعماقه، ثم إنها كانـت صدمة لاكتشافه بحجم المؤامرات الدنيئة في العالم الإسلامي، وعلم على وجه اليقين أن قتال الصليبيين مستحيل في وسط هذه الأجواء، وليس هناك بد من إصلاح الداخل قبل الصـدام مـع الأعـداء الخارجيين.
🔹ثم تولَّى آق سنقر البرسقي ولاية الموصل للمرة الأولى، وذلك من سنة (507هـ) 1113م إلى سنة (509هـ)1115م، واشترك معه عماد الدين زنكي بقوة في معاركه ضـد الصـليبيين، وحاصر معه الرها وسميساط وسروج، مما زاد من شهرة عماد الدين زنكي لدى الجميع .
ثم بعد عزل آق سنقر البرسقي سنة (507هـ) 1115م، وتولية جيوش بك دخل عمـاد الدين زنكي تحت زعامة الأمير الجديد،
وعندما حاول جيوش بك أن يقوم بمحاولة انقلابيـة علـى السلطان محمود سنة (514هـ)\ 1121م، رفض عماد الدين زنكي أوامر قائده الأقرب جيـوش بك، وأصر على الولاء للسلطان الأعلى محمود، وقد فشلت هذه المحاولة الانقلابية، ورفع هذا كثيرا من أسهم عماد الدين زنكي عند السلطان محمود .
🔹ثم أُعيد تولية آق سنقر البرسقي على الموصل سنة 515هـ، فعاد عماد الدين زنكي مـن جديد إلى تبعيته آق سنقر البرسقي،
وعندما انتدب آق سنقر لإدارة الأمن في بغداد للسيطرة علـى بعض الأمور الخطيرة سنة (516هـ) 1122م، وكان دبيس بن صدقَة قد قاد ثـورة في بغـداد للسيطرة على الحكم هناك، أخذ آق سنقر عماد الدين زنكي معـه لثقتـه في قدراتـه العسـكرية والإدارية،
👌بل إن آق سنقر البرسقي ولَّى عماد الدين زنكي منطقة واسط حيث المركـز الرئيسـي لدبيس بن صدقة ليكون في مواجهته مباشرة، مما يدلُّ على عظيم ثقة آق سنقر في القائد العظيم عماد الدين زنكي .
وبالفعل استطاع عماد الدين زنكي أن ينتصر على دبيس ويعيد الأمور إلى نصابها ، ولما هاجمت الأعراب مدينة البصرة هجمات متكررة أعطى آق سنقر ولاية البصرة لعماد الدين زنكـي للسيطرة على الأوضاع هناك، فنجح في فترة وجيزة أن يسيطر على الأعراب ويمنع هجماتهم، ممـا جعله بحق رجل المهام الصعبة في الدولة السلجوقية .👍
وكان ولاء عماد الدين زنكي في كل هذه الأحداث للسلطان السلجوقي وأمرائه، ولم يكن للخليفة العباسي، إنما كان يدافع عن الخليفة العباسي في بغداد لأن مصالح السلطنة كانت متوافقة مع مصالح الخلافة،
ولكن عند تعارض مصالح السلطنة مع الخلافة، مثل الخلاف الـذي حـدث سـنة 519هـ بين السلطان محمود والخليفة المسترشد بالله، كان عماد الدين زنكي يقـف إلى جـوار السلطان دون تردد،
وهذا في رأيي أمر طبيعي ومتوقَّع، مع أنه قد يسبب لنا حرجا في الفهم، عندما نجد أن عماد الدين زنكي يقف بجيشه أحيانا في وجه الخليفة، لكن تعالَوا نفهم حقيقة الأمر بهـدوء، وهذا سيساعد في فهم كثير من الأحداث المستقبلية .
——————————————————————
ما نزال مع نشأة عماد الدين زنكى
تابعونا #تاريخ_الحروب_الصليبية_جواهر