مقالات
قراءة سياسية في مقال الدكتور غازي حمد(حماس وغزة : قصة توأمة !!)
بقلم الباحث/ منصور أبو كريم
عضو الشبكة العربية لكتاب الرأي والأعلام
لا شك أن كل الثورات وحركات التحرر الوطني في العالم، قد مارست عملية المراجعة الفكرية والسياسية، للمراحل السابقة التي مرت فيها، بهدف استخلاص الدروس والعبر؛ من أجل عدم الوقوع في نفس الأخطاء التي وقعت فيها عبر مراحل تطورها المختلفة. وقد اشتهرت الأحزاب والحركات الاسلامية في العالم العربي بعملية المراجعات الفكرية، خاصة الجماعات الاسلامية في مصر فترة التسعينات التي قدمت مراجعات فكرية من داخل السجون المصرية، حول تكفير الدولة والمجتمع بعد فترة صدام مع الحكومة المصرية، قادت في النهاية لخروج بعض قيادات هذه الجماعات من السجون المصرية مقابل التعهد بعدم الرجوع إلى الفكر المتطرف، وتكوين أجنحة عسكرية سرية. فقد تصاعدت الدعوات وأسهبت الكتابات والتحليلات في إبراز التحولات والمراجعات الفكرية والسياسية التي حصلت وما زالت تحصل في أوساط هذه الحركات، خاصة فيما يتعلق بالدولة والمجتمع والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وخلال الفترة السابقة ظهرت بعض الأقلام من ادخل حركة حماس تحاول عمل مراجعة فكرية وسياسية لتجربة الحركة في الحكم والمقاومة؛ بهدف محاول إخراج الحركة من مأزقها السياسي التي وصلت إليه، بعد فشل المشروع الذي تتباه الحركة من تحقيق أي انجاز سياسي، في ظل الأوضاع المأساوية التي أصبح يعاني منها قطاع غزة تحت حكم الحركة.
وفي سياق هذه المراجعة الفكرية والسياسية لتجربة الحركة في الحكم والمقاومة؛ يأتي مقال حماس وغزة : قصة توأمة !! للدكتور غازي حمد؛ القيادي الباز في حركة حماس، وصاحب الآراء والأفكار المنفتحة على الكل الفلسطيني والعربي والدولي، وصاحب القدرة على توجيه النقد البناء للذات وللأخرين بهدف محاولة تصويب الأمور وتصحيح المسار.
الإ أن هذا المقال رغم أهميته الفكرية والسياسية يمكن تسجيل بعض الملاحظات عليه، والتي يمكن حصرها في النقاط التالية:
في البداية حاول الدكتور غازي حمد تصوير العلاقة ما بين حركة حماس وقطاع غزة، على أنها علاقة حميمية يسودها الود والانسجام، حيث يقول” العلاقة بين حركة حماس وقطاع غزة أشبه بالتوأمة, أو أشبه بالمتلازمة التي لا فكاك منها !! ” رغم أن الواقع يؤكد عكس ذلك، لأن الحركة سيطرت على غزة بالقوة العسكرية، ومنعت اي تواجد لقوى أخرى يمكن أن تشكل تهديداً لها، وبالإضافة إلى ذلك هناك تدني كبير في نسبة التأييد الشعبي للحركة في قطاع غزة، ظهر ذلك بوضوح في معظم استطلاعات الرأي، وكان أخرها استطلاع دينا الوطن، وتأكد هذا الأمر أيضا في أزمة المعبر الأخيرة. عندما حمل معظم الشعب الفلسطيني في غزة حركة حماس مسؤولية إغلاق المعبر!!
وفي هذا الجانب حاول الكاتب أن يوازن ما بين كلمات النقد والإطراء بهدف تمرير أفكار النقد والمراجعة على تيار الصقور داخل الحركة، والذي يرفض أي نقد علني. لذلك أسهب الكاتب في شرح العلاقة العاطفية التي تربط حركة حماس بقطاع غزة، محاولاً رسم صورة وردية لتلك العلاقة، وبدأ وكأنه يتحدث عن مدينة أوسلو وليس قطاع غزة!!!
النقطة الثانية التي تستحق التوقف عندها في هذا المقال، هي التغاضي عن دور حركة حماس في افشال المصالحة الفلسطينية، فقد حاول الدكتور غازي المرور على القضية مرور الكرام، بعدم التوقف عند دورها واجراءاتها في تعطيل المصالحة الفلسطينية، رغم أنه أخذ على الحركة استعجالها وعدم صبرها في التعاطي مع حكومة التوافق. حيت قال ” صحيح ان حماس كانت صادقة في توجهاتها لإنجاح المصالحة وتعزيز دور حكومة الوفاق, لكن هذا الصدق كان يستلزم صبرا (مُرا) وحكمة أوسع لاجتياز المرحلة والخروج من عنق الزجاجة, وما كان ينبغي عليها ان تظل أسيرة لهذا الحصار الجغرافي السياسي!!” وهنا تغافل الكاتب عن أن المصالحة الوطنية الفلسطينية لا تحتاج الصدق والنوايا الحسنة فقط ؟، وإنما إلى إجراءات عملية على الأرض لتعزيز الشراكة السياسية وتمكين حكومة التوافق الوطني من إدارة القطاع، لأن الطريق إلى جهنم معبدة بالنوايا الحسنة كما يقول المثل.
والنقطة الثالثة التي يجب التوقف عندها، في مقال الدكتور حمد، أن الكاتب بالغ كثيراً في وصف الحالة التي أصبحت عليها غزة بعد حكم حماس، فقد حاول الكاتب مرة أخرى تصوير الأمور بصورة وردية، حيث قال” ان حماس تستطيع ان تفخر بانها حولت غزة الى ” اسطورة ” للبطولة للمقاومة ورمز من رموز تحدي الحصار, واسم تداولته الدول والعواصم بحيث أصبح نموذجاً للحالة الفلسطينية ودلالة على جرائم وبشاعة الاحتلال” ورغم مصداقية بعض هذا الكلام؛ الإ أن هناك وجه أخر لم يتحدث عنه الكاتب، وهو الفقر والبطالة والدمار الذي حل بغزة تحت حكم الحركة، فأن كانت الصورة وردية كما حاول الكاتب رسمها!!! لماذا هذا المقال والمراجعة ؟؟؟، ولماذا بدأت أصوات من الحركة تطالب بضرورة تقديم الحركة المصلحة العامة على المصلحة الحزبية.؟؟؟ مرة أخرى حاول الكاتب التوازن في طرح القضايا وتغليف أفكار النقد بكلمات الإطراء والمجاملة، في محاولة منه لتخفيف حدة النقد الداخلي.
أما النقطة الرابعة في مجموعة النقاط الكثيرة والكثيرة جدا التي تتطلب التوقف عندها وقراءاتها بصورة جيدة، وهي نقطة عمود الخيمة، وهي النقطة الأخطر التي حاول الدكتور حمد تمريرها، عندما تحدث الكاتب ووصف حركة حماس بعمود الخيمة، وطالب منها على هذا الاعتبار سرعة التحرك السياسي من أجل جمع شتات الحالة الفلسطينية المتأزمة بعد الأنقسام، حيث قال” أن الحالة الفلسطينية التي تعاني من انهيار سياسي مزمن , يفرض على حماس الا تقف موقف المتفرج , والا تكتفي فقط بالتلويح بقوتها العسكرية وبشعارات التحرير وأن غزة تمثل (الجدار الاخير), بل يجب عليها ان تتحرك بقوة في الساحة السياسية والوطنية لتجميع شتات الحالة الفلسطينية الممزقة المتشرذمة باعتبارها عمود الخيمة في المشروع الوطني” وهنا لابد التأكيد على ان عمود الخيمة في الحالة الفلسطينية، هي منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، رغم التأكيد على أن حركة حماس تعتبر مكون أساسي من مكونات الشعب الفلسطيني، وفصيل رئيسي في الساحة الفلسطينية، ولكنها ليست بأي حال من الأحوال عمود الخيمة. لقد حاول الكاتب في هذه النقطة تكبير حجم الحركة وحجم المسؤولية الملقاة على كاهلها من أجل حملها لتقديم تنازلات جوهرية لإنهاء حالة التشرذم في الوضع الفلسطيني، بسبب الانقسام الداخلي.
والنقطة الأخيرة التي أريد التوقف عندها في هذا المقال المهم ، وهي الرسائل السياسية والفكرية والاستراتيجية التي حاول الكاتب توصيلها، عبر هذا المقال، فقد حاول الكاتب، ارسال رسالة هامة إلى قيادات حركة حماس السياسية والعسكرية، مفادها أن استمرار الحركة بالسيطرة على قطاع وفق هذه الصورة، لم ولن يخدم الحركة، لا في السابق ولا في الوقت الحالي ولا في المستقبل، لذلك ويتوجب على الحركة بناء جسور جديدة في علاقاتها مع المجتمع والفصائل الفلسطينية، وتقديم تنازلات جوهرية في إدارة قطاع غزة، من خلال تغليب عقلية الدولة على عقلية الحركة التي تسيطر على كل تصرفات حماس. وغير ذلك سوف تستمر الحركة بالسير نحو المجهول.
والرسالة الأخرى التي حاول الكاتب أرسالها، كانت للمحيط العربي والإقليمي والدولي، مفادها أن حركة حماس أصبحت تدرك الواقع العربي والدولي والإقليمي تماماً، وأصبحت تعلم أثر المتغيرات الإقليمية والدولية على القضية الفلسطينية، تلك المتغيرات التي أثرت على الفكر السياسي الفلسطيني ، وعلى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وجعلتها أكثر واقعية وبرجماتية في تعاطيها مع الوضع العربي والدولي والإقليمي من خلال قبولها بالحل السلمي والدخول في عملية التسوية، لذلك فأن حركة حماس أصبحت أكثر استعداداً على الانخراط في العملية السلمية وجهود التسوية السياسية.
في النهاية يمكن القول أن هذا المقال المهم، الذي تناول فيه الدكتور غازي حمد كثير من الإشكاليات والأزمات التي يعاني قطاع غزة وحركة حماس والنظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته، يشكل بداية حقيقية لمشروع مراجعة فكرية وسياسية أكثر عمقاً وأكثر تجرداً من قبل بعض الكُتاب المحسوبين على خط الحركة السياسي والفكري، بهدف تقويم التجربة تصويب الحالة، بعيداً عن محاولة خلط السمّ بالعسل[/toggle] .