مقالات
رحم الله الشهيد الحاج عبد الله ورفاقه / بقلم المحامي جهاد ابو ريا / سخنين
كان اسماعيل رجلا كتوما، حافظا للسر، حتى زوجته النبيهة، أم سائد، والتي كانت تربطها به علاقة عميقة وحميمة، لم تلحظ التغيير الذي طرأ على حياته، لم تلحظ أنه خلال تأديته لفريضة الحج، مع والديه، العام المنصرم، تم تجنيده في صفوف المقاومة، وانه منذ ذلك الوقت، اصبح له اسما اضافيا، إسما حركيا: ” الحاج عبد الله”.
في ذلك اليوم، الرابع والعشرين من حزيران من العام ١٩٧٩، وخلال ارتشاف القهوة مع زوجته في الصباح الباكر، أخبرها اسماعيل انه سيقوم بتوزيع الكتب على المكتبات في الطيرة، ومن ثم سيتوجه الى احد المحلات التجارية في تل ابيت، لاستلام البضائع التي تخص المكتبة التي يديرها في بلدته كفر قاسم.
لقد أخفى “الحاج عبد الله” عن زوجته، انه في مرحلة ما من ذلك اليوم، سوف يلتقي مع “سمير”، ليتوجها معاً صوب المحطة المركزية في تل ابيب، تأدية للمهمة التي القيت عليهما.
في طريقهما باتجاه المحطة المركزية، اركن “الحاج عبد الله ” سيارة الفورد ترانزيت الصفراء بجانب الطريق، ونزل منها لاداء صلاة الظهر، انضم اليه “سمير” مبتسما، هذه ليست المرة الاولى التي ينضم بها “سمير” للصلاة مع “الحاج عبد الله”. تساءل “الحاج عبد الله” في نفسه لماذا يبتسم “سمير “في كل مرة يؤدي بها الصلاة معه، لم يكن يعرف ان الشخص الذي يرافقه هو جورج ثيودوري من رام الله.
فاجأ انضمام اسماعيل عيسى ابن كفر قاسم الى صفوف المقاومة، المخابرات الاسرائلية، فهو لم يكن الشخصية التي رسمتها المخابرات.
في ذلك اليوم، كان عمر اسماعيل ثلاثة واربعين عاما، متزوج مرتين وله ١١ ولدا، كان تاجرا ميسورا ناجحا، يجول البلاد بطولها وعرضها، وقبل ذلك كان يعمل مديرا لاحد فروع البنك في كفر قاسم، وام الفحم وفي ابو غوش.
اما جورج ابن مدينة رام الله، فقد بلغ من العمر حينها اربعة وعشرين عاما، الولد البكر لوالديه، كان يعمل مهندسا في شركة كهرباء القدس. تلقى جورج تعليم الهندسة في الجامعة الاميريكية في بيروت، لكن الجامعة الامريكية ابعدته عن التعليم مع باقي الطلاب الفلسطينيين، فانتقل الى بغداد وهناك اكمل تعليمه.
في لبنان إنضم جورج الى صفوف المقاومة وهناك تعرف على محمد باسم التميمي والمعرف بحمدي، وفي العراق تعلم جورج تحضير المتفجرات. عام ١٩٧٨ انضم اسماعيل الى والديه، ليساعدهما على اداء مناسك الحج، هناك تعرف على حمدي، هناك اقترح عليه حمدي الانضمام الى صفوف المقاومة، بعد ذلك أوصل حمدي بين “الحاج عبد الله” و”سمير”.
في الرابع عشر من شباط من العام ١٩٨٨ استشهد حمدي، كان ذلك في قبرص، حينما كان معه في السيارة رفاقه مروان كيالي ومحمد بحيص ( ابو حسن )، تفجرت السيارة التي كانت يقلونها بعد ان فخخها رجال الموساد.
استشهد حمدي وأخذ معه أسرار الحاج عبد الله، اما ام سائد، زوجة الحاج عبدالله، وابنائه، فلا زالوا، رغم مرور اكثر من اربعين عاما، يبحثون عن والدهم الحاج عبد الله واصادقاءه وأسراره.
قبل عام، في السابع والعشرين من تشرين اول ٢٠١٩، شاركت بحفل تكريم الشهيد اسماعيل يوسف عيسى بكفر قاسم، اقيم حفل تكريمه مع احياء ذكرى شهداء مجزرة كفر قاسم، عندم ارتكب الجنود الاسرائليون مجزرة كفر قاسم عام ١٩٥٦، كان عمر اسماعيل عشرين عاما.
لقد شهد اسماعيل المجزرة، فانتقم لها، فكان تكريمه مع شهدائها.
هذا الاسبوع التقيت في عكا مع ام سائد، وجدتها، بعد مرور واحد واربعين عاما، تبحث عن اسرار الحاج عبد الله، فخورة به، سعيدة بالحديث عن طيبة قلبه وحبه لشعبه وكرمه وعطاءه ومحبته الناس ومحبة الناس اليه، عن حبها وعشقها له، تتحدث عنه وكأنه لم يمر واحد واربعون عاما.