مقالات

مشيت في ذلك اليوم الموافق 28 من سبتمبتر عام 70 مشيت في شوارع بيروت ..بيروت الشرقية والغربية

..غادرت شارع الفاكهاني الذي لا يبعد كثيرا عن المدينة الرياضية ولا ايضا عن مخيم صبرا حيث كنت أقيم في تلك المنطقة متوجها إلى ساحة الشهداء في قلب المدينة التي يسكنها الجمال وتحتويها الرطوبة وتضج بأصوات الصيادين .. مشيت في ظهيرة ذلك اليوم الحزين المتشح بلون السواد مع المسيرات الحاشدة مسيرة وراء مسيرة نحو السفارة المصرية ..كان البحر في ذلك اليوم مضطربا لعله في اضطراب امواجه الهادرة حيث تتدافع موجة وراء موجة قبل أن تفرد نفسها على الشاطيء ..لعله بذلك يشارك بيروت حزنها فلم يعد الكورنيش قرب الروشة كعادته مكتظا بالناس اما المقاهي في ذلك اليوم فقد فرغت من زبائنها فلا يرى فيها دخان السجائر ولا جمرات فحم الأراجيل ولا يسمع فيها من المذياع الكبير صوت فريد الأطرش وعبد الوهاب وعبد الحليم وودبع الصافي وسيدة الغناء العربي ام كلثوم ..كل شيء في بيروت في ذلك اليوم يعلن الحداد ويرفع الراية السوداء على رحيل الرئيس جمال عبد الناصر الذي أحبه شعب لبنان ..لم أكن أعلم قبل ذلك أن اللبنانيين يطلقون رصاص بنادقهم ومسدساتهم تعبيرا عن الحزن ايضا إضافة إلى الفرح إلا في ذلك اليوم الحزين لكن ما شد انتباهي فعلا في تلك اللحظة هو الضابط اللبناني الوسيم الذي يبدو على محياه حياة النعيم وقد وصل مع بعض رجال الشرطة ليوقف من شدة انفعال الناس امام بوابة السفارة ..كنت قريبا منه لا يبعد عني سوى خطوات ..لقد رأيته فجأة قد أخرج مسدسه وأخذ يطلق الرصاص ..عندها أدركت أن عبد الناصر لم يكن رئيسا عربيا عاديا ولم يكن ايضا رئيسا لمصر وحدها فقد امتلك قلوب الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج لكن الذي تمنيته في تلك اللحظة وانا في أوج مشاعري الذي ينتابها الحزن العميق هو أن يكون معي مسدسا أحمله على جنبي مثل ذلك الضابط اللبناني وأطلق منه الرصاص أمام بوابة السفارة المصرية ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق