مقالات

” لص يسرق الحشمة، ويتستر بالدين ” .. كتب الاعلامي هاني الريس / الدنمارك

الرئيس البولندي، اندرية دودا: " المثلية هي أكثر خطرا من الشيوعية في بولندا " ..

يكافح الرئيس البولندي، أندرية دودا، الذي صعد إلى السلطة عن طريق الصدفة، بعد انهيار النظام الاشتراكي (الشيوعي) في بولندا، وتراجع شعبية جميع الاحزاب السياسية البولندية، التي تعاقبت على حكم البلاد في العقود الاخيرة، وذلك بسبب الاخلال بالوعود والتعهدات الكثيرة، التي قطعتها على نفسها، وأمام المجتمع، بخصوص إطلاق الحريات العامة، وتحسين ظروف الحياة المعيشة العادية للمواطن البولندي، وكسر طوق أسوار العزلةالصارخة مع دول العالم الراسمالي، التي فرضها النظام الشيوعي السابق، يكافح من أجل أن يستعيد السلطة مجددا، بشعارات، قد تكون خادعة، ومتسترة بلبوس الدين، والحشمة الظاهرية، ومحاربة “ايديولوجية المثليين” و التخويف، من عودة ” بعبع الشيوعية” إلى بولندا، وذلك في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في البلاد، التي سوف تجري في 12 تموز / يوليو 2020 ، حيث لم يحظى هذا الرئيس “الفلتة” بأكثر من نسبة 8. 41 في المئة، من أصوات الناخبين البولنديين، في مقابل نسبة 4. 30 لصالح منافسه القوى مرشح حزب الائتلاف المدني، رافائيل ترزاسكوفسكي، في الجولة الأولى، من الانتخابات العامة، التي جرت في 28 حزيران / يونيو 2020.
وقال السياسي البالغ من العمر 48 عام، والذي كان في الحقيقة، وجه غير مألوف، وغير معروف، على المسرح السياسي البولندي، وأن أقصى ما وصل اليه من مناصب سياسية عليا في الدولة، هو عضو برلماني، ووكيل وزارة العدل، ومن بعدها وكيل وزارة الخارجية، في حكومة ليخ كازينيكي، اليمينية المتطرفة: “أنه لا ينبغي السماح بالمطلق، لنشر ما وصفه ب” ايديولوجية المثليين “للأطفال البولنديين” واعتبرها، هي أكثر خطرا على المجتمع، وأكثر تدميرا، حتى من الشيوعية، التي شكلت لعقود طويلة من الزمن عقدة المواطن البولندي، الذي سعى باهتمام، إلى اكتساب قيم الحرية والديمقراطية، في زمن المعسكر الاشتراكي الشيوعي السابق.
واضاف: “لقد ظل جيل والدي ، لمدة تزيد عن 40 عاما من الوقت، يكافح من أجل محاربة” الايديولوجية الشيوعية “من خلال المدارس والمعاهد والجامعات، وبالتالي وقف غسيل الاذمغة، وتريدوننا اليوم، أن نوافق، وأن نقبل، بأن يتم ان ندخل نوع آخر من الايديولوجية، التي قد تشكل الامور الأكثر خطورة على المجتمع؟ وذلك يعني أن تمثل الايديولوجية المثلية، تهديدا مباشرا للثقافة البولندية ، التي قد قضى عليها، منذ أكثر من ألف عام من الزمن، هذه هي في الواقع هويتنا، وثقافتنا التقليدية المحافظة المعروفة، التي يجب أن نتمسك بها جيدا، ولا يجب أن نسمح مرة أخرى، إلى اي شخص مهما كان، بمحاولة إغراء أطفالنا الصغار، عن طريق الخطأ “.
وتابع: “واذا لم يحالفني، الحظ بالفوز في هذه الانتخابات، فإنه سوف يصل اللصوص مرة أخرى إلى سدة الحكم، وأنهم سوف يفرضون اجنداتهم الخاطئة والمغلوطة، على كل مفاصل الدولة والمجتمع” وهذا ما لانريده ان يحدث، وبشكل مطلق” .
وتحمل رسالة الرئيس الحالي، اندرية دودا، الذي ينتمي إلى العقيدة الكاثولوكية المتعصبة ، طابعا تحريضيا وتحذيريا ، للناس ، من خطر الايديولوجية المثلية ، وخطر الشيوعية ، التي نسى اتناسى، بأنها استطاعت ان تخدم المواطن البولندية، وتوفر له لقمة العيش، و تضمن له فرص العمل، والتعليم، والطبابة المجانية، وغيرها من الخدمات الضرورية الاخرى، التي ظلت مفقودة، بكل وضوح في سنوات عهده المجحفة، وعهود اسلافه السابقين، أكثر منه ملهما لتجديد وتطوير الحياة المجتمعية العامة، وكذلك التطلعات الشعبية الكبيرة، التي عانت الكثير من هموم سنوات الماضي الصعب، وتدهور الاوضاع المعيشة اليومية، من خلال نقص الخدمات الأساسية، والارتفاع الهائل والجنوني لأسعار السلع الاستهلاكية الضرورية اليومية، التي انهكت بالفعل، كاهل الكثير من الناس، وبخاصة الطبقات الفقيرة والمسحوقة، وتوسع نطاق هجرة المواطنين البولنديين، للعمل البسيط، والرخيص، والمضني، في غالبية دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك والولايات المتحدة، وكندا، وغيرهم، من بلدان العالم، والتي هي كانت على عكس الرسالة الأخرى، الذي ظل يلوح باوراقها، منافسه القوى، في هذه الانتخابات، رافائيل ترزاسكوفسكي، الذي وعد فيها الناس بعهد جديد مزدهر، وبمستقبل افضل للحياة العامة، ونمو اقتصادي قوي، وحكم مستتب، وعلاقات حسنة وقوية، مع حكومات الدول الأخرى حول العالم، والانفتاح الشديد على المعتقدات، والثقافات المشتركة، في المجتمع .
ولكن القليل فقط من المراقبين، هم من يستبعدون فرص الرئيس الحالي، بالفوز، فهو يتقدم قليلا في معظم استطلاعات الرأى، ويحظى بمساندة، ودعم الكنيسة الكاثولوكية البولندية غير المحدود، و كذلك الولايات المتحدة الأمريكية، المناهضة لتحرر الشعوب الفقيرة والمسحوقة، من غوائل دورات الاضطهاد، والبطش الممنهجة، ومظالم الراسمالية غير المكبوحة، ولكن أيضآ في المقابل، َفإن وعود منافسه الند، بالقتال من أجل الديمقراطية والحرية، وتحرير النمو الاقتصادي من كبوته، والانفتاح على الآخر، هي أيضًا تلقى آذانا صاغية في بولندا، التي عانت خلال السنوات الأخيرة، من الركود الاقتصادي، وعجز الموازنة العامة، وكثرة مستويات الرشى، والمحسوبية، وسرقات المال العام، والامتيازات الخاصة لاصحاب النفود والسلطة والمال، ويتوقع المراقبون للشان الداخلي البولندي، بأن جولة الإعادة الثانية، ستكون شرسة وحاسمة للغاية في نفس الوقت، وانها ربما سوف تأتي بالكثير من المفاجاءات الكبيرة . وعليه فهل أن تحذيرات الرئيس الكاثوليكي، المتعصب جدا، اندرية دودا، وتخويفه للناس، بخطر طغيان الايديولوجيةالمثلية، داخل المجتمع، وعودة “البعبع الشيوعي” مجددا، إلى السلطة، في بولندا، بعدما قد تقهقر، وانتهى مجدها التاريخي، هو واقع؟ ام هو مدفوع بعوامل الطمع، من اجل العودة، إلى سدة الحكم، أم انه هو بالفعل جاء من منطلق الحرص والخوف الشديد، على بولندا، ومستقبلها السياسي والاقتصادي المنشود؟ وهل انه سوف يتضح أمره في ما بعد، بحسب، وصف، أحد المحللين السياسيين البولنديين، الذي ظل يصر بشدة على عدم التصويت لصالح هذا الرئيس “المغمور والمتغطرس” مرة أخرى، بأنه لص يسرق الحشمة، ويتستر بالدين؟
كل هذه التصورات، والأسئلة، سوف تكشف عنها نتائج الجولة الثانية، من الانتخابات .

* هاني الريس
5 تموز / يوليو 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق