الرئيسيةمقالات

سعيد خليل المسحال / مقال جميل من سليم زريقات

بسمم الله الرحمن الرحيم
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) صدق الله العظيم.
هكذا تمضي الأيام سريعة في تعاقبها فتطوي حيوات الناس طيا …بعضهم يذكر وبعضهم يظل إلى يوم البعث والنشور نسيا منسيا…
وأما الذين يستعصي ذكرهم على النسيان مهما تقلبت الأحوال وتعاقبت الأزمان فهم أولئك الذين خلفوا علما ينتفع به أو صدقة جارية…
وأحسب أن المغفور له بإذن الله سعيد خليل المسحال /أبو اسامة الذي اختاره لجواره يوم 9/حزيران الفائت…أحسبه عند ربه راضيا مرضيا بما قدم ونفع بعلمه وعمله طوال عمره الذي ناهز 84 عاما قضاها في طلب العلم فتى ويافعا وشابا تحدى شظف العيش وآلام التشرد واللجوء من مسقط رأسه بلدة الجورة إلى مخيمات غزة مع ويلات النكبة عام1948.
وتفتح ذهنه على واجبات النضال وهو على مقاعد الدراسة الجامعية في اواخر خمسينيات القرن الماضي في كلية الهندسة حيث جمعته المرحلة تلك مع ثلة من الاولين الذين كان لهم شرف السبق إلى تأسيس حركة نضالية يجمع قلوب منتسبيها حب الوطن والنضال بكل أشكاله في سبيل تحرير فلسطين التاريخ بكل حبة رمل من ثراها الطهور.
وفي شقته المستأجرة في حي الدقي في القاهرة كان الاجتماع الأول الذي انبثق منه مشروع البيان التاسيسي للحركة المنشودة ولم يستكمل العمل عليه في حينه…
وبعد عام من تخرجه متخصصا في هندسة البترول كان سعيد المسحال أحد مهندسي شركة أرامكو في الرياض…
حيث التقى هنالك برفاق الدراسة ممن تم التحاقهم بالعمل ومعظمهم في حقل البترول ومشتقاته…منهم الشهداء لاحقا : كمال عدوان وعبدالفتاح حمود ومحمد الأعرج/ابو رائد…
وهناك وضع البيان الأول للحركة الثورية وطبع على آلة نسخ في ارامكو لترسل منه نسخة إلى رفاق التأسيس في الكويت وهم من زملاء الدراسة واتحاد طلاب فلسطين في جامعات مصر…اطلع عليه كل من الشهداء: ياسر عرفات وخليل الوزير/ابوجهاد إضافة إلى المؤسس سليم الزعنون/ ابو الأديب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني حاليا.
وفي عام1962 انتقل المسحال إلى قطر لينفتح امامه مجال العمل الموفق فيبدع ويلمع ليكون ابو النهضة الصناعية في قطر والمفاوض الحكيم والشرس لتأميم النفط في قطر والخليج عامة…أصبح الرجل الثاني بعد أمير قطر من حيث المرجعية في كل ما يتعلق بالبترول ومشتقاته…
لم يدتثنه صعوبة عمله وتشعباته وكثرة تسفاره مفاوضا أو متعاقدا مع الشركات الأجنبية …عن مواصلة العمل على إنضاج تأسيس الحركة الثورية…فاستقدم زميليه المهندسين كمال عدوان وعبد الفتاح حمود ليكونا معه في الدوحة وفي ظروف ملائمة للقاءات والعمل خارج دواماتهم الرسمية…ولينضموا إلى خلية التأسيس في قطر التي كان رائدها الشهيد محمد يوسف النجار ومن اركانها محمودعباس/ ابومازن – رئيس الدولة الآن – ورفيق النتشة/ ابوشاكر – ويشغل منصبا قياديا رفيعا في السلطة الآن-
من تفاعل المذكورين في الأبعاد الثلاثة عن طريق التشاور والمقابلات المبرمجة والمنتظمة ظهرت حركة تحرير فلسطين(ح.ت.ف) وتوافق المؤسسون على أن يعكسو الأحرف لتكون (ف ت.ح) حركة التحرير الوطني الفلسطيني التي أعلنت عن نفسها باول عمليات العاصفة الفدائية في الفاتح من يناير عام 1965…فقادت وسادت الثورة الفلسطينية المعاصرة.
هذا عن عمله الوطني …وعن علمه وفكره فقد خلد اسمه في اربعة أسفار تتبع فيها بدقة متناهية خطوات التأسيس وما تلى ذلك حتى قبيل عام من انتقاله إلى عالم الخلود …وهي : بين الثورة والنفط – وفلسطين قضية كونية – وضياع أمة – وأحدثها طبعة جديدة من كتابه- أعمدة من نار- وما تزال مقالته اللاحقةالتي أنجزها قبل ان يقعده المرض عن الكتاببة تنتظر من يخرجها (أعمدة من نور)…تخليدا لذكراه.
كتب وارخ ووجه وأرشد منطلقا من أصالة انتمائه العروبي ليضع النقاط على الحروف منبها للمخاطر التي تكتنف الوطن العربي على اتساعه وواضعا الأسس السليمة لتجاوز كل المخاطر والمحاذير إذا اعتمدنا الوحدة الشاملة المتدرجة أساسا للنضال والكفاح من اجل التحرر والنهضة واللحاق بركب الحضارة العالمية.
وليس بمستغرب عن عصامي عالم مجتهد عامل جاد مخلص في عطائه أن يحظى بسمعة طيبة وتقدير عال في الوسط الذي عاش فيه وعمل من أجل خير أهله فنال من الوجاهة ووفرة المال ما لم ينله سواه من المتعاقدين وكان حريا بالجنسية القطرية التي منحه إياها أمير البلاد.
غادر قطر إلى استراليا سنة1985 واستقر هناك وتفرغ لاستثماراته الخاصة فجمع واوعى وأصبح اقتصاديا شهيرا يشار إليه بالبنان … وتشعبت نشاطاته الاستثمارية لتصل إلى بريطانيا وامريكا وملك المنازل الفاخرة في كل بلد له فيه مصلحة اقتصادية ….ولكن حنينه إلى فلسطين ودوام تشوقه إلى مسقط رأسه ظل هاجسه المسيطر على قلبه وعقله فعمد إلى الحصول على الهوية الفلسطينية وعاد إلى غزة حيث الأهل واﻻحباب والعزوة والأصحاب…وأخذ يرسي قواعد نهضة اقتصادية وعرضها على المرحوم ياسر عرفات وتواعدا على ان يجعلا من الدولة الفلسطينية المقترحة نمرا اقتصاديا يضاهي سنغافورا…
فشرع بإنشاء مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والعلوم …وتقدم طالبا تخصيص قطعة ارض ليقام عليها مستشفى عصري لخدمة المواطنين….وإنشاء بنك فلسطيني…وأحلام عريضة كان يؤمل في تحقيقها …وخاض اول انتخابات في السلطة ليجد نفسه شخصا غير مرغوب في تواجده في الداخل في هذه المرحلة…
فجمع ثرواته وصفى شركاته وحط رحاله في المملكة الأردنية الهاشمية تحت الجنسية الاسترالية وبإقامة تتجدد سنويا له ولاولاده وشركاته الجديدة التي اسسها في الاردن.
هذه رؤية البصيرة في مقاربة سيرة المسحال المفضال ويمكن ان يطرقها أي قارئ لكتبه…ولكنني طرقتها بعين الباصرة لأضيف ما اعرفه عن ما يخلد الفقيد في قلوب وعقول من عاصروه…
فقد جمعتني به رحلة الاغتراب في دولة قطر مدة ثلاثة وعشرين عاما …وعلى الرغم من تباعد مواقعنا من حيث مراكزالعمل فقد كنت ارى وأسمع ما يقوم به سعيد المسحال سرا وعلانية لإعالة اسرة فلسطينية فقدت معيلها أو جبر كسر فلسطيني قصر معاشه عن دفع أجرة مسكنه ويخشى الإجبار على إخلاء سكنه او الوساطة لدى الجهات المختصة لعدم ترحيل اسرة فلسطينية لم تجد كفيلا لها بعد أن فقد معيلها وظيفة حكومية أو خاصة…
ولم الرجوع إلى الماضي البعيد…فهناك عشرات العوائل سواء من الأقرباء او المعارف والأنسباء كانت جراياتهم الشهرية لا تنقطع…وكذلك طاقم العاملين في مؤسسة سعيدالمسحال للثقافة والعلوم ومجلس أمنائها لم ينقطع وده عنهم حتى بعد أن كاد المعتدون له كيدا فأمطرتها طائرات العدو بوابل من صواريخ حقدهم على المؤسسة وصاحبها فتركتها قاعا صفصفا لم تهرع يد المؤسسات الثقافية في جزئي ما تبقى من فلسطين التاريخ لتعيد إنشاءها او ترميمها
وقد حرص اهل بيته وحرثنا معهم على أن نكتم عنه ما آلت إليه المؤسسة وهو معاناته على فراش الشفاء ليس فيه غير ذاكرة حافظة ولسان يسرد وقائع منطقية بشيء من التلعثم وعدم الوضوح في عامه الأخير وظل هكذا في تمام وعيه حتى اللحظة التي هتف فيها باسم حرمه المصون وقال: الوداع وأسلم روحه إلى بارئها….
رحم الله الصديق الصدوق والوالد الشفوق والمناضل القائد والمؤسس الرائد : سعيد خليل المسحال…وأسكنه جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق