حسن عبادي
تواصل معي مؤخّرًا كاتبٌ أردنيٌّ طالبًا استشارة قانونيّة وصُعِقتُ حين وصلني موضوعها وإذ به يرغب بمقاضاة “شاعرة” محليّة تعاقدت معه على كتابة ديوان شعر بقلمِه وباسمها، قام بدوره على أتمّ وجه، حيث كتب القصائد وعرضها عليها، وبعد إقرارها إيّاها بعثت له بمقدّمة للديوان المنتَظَر بقلم أديب محليّ مرموق، قام بطباعته وما زال ينتظر وصولها إلى إربد لدفع الأتعاب واستلام نسخها من “ديوانها” ولكنّها “قدحَتْ له”! وحسب رأيه “يبدو أنّها وجدت بديلًا أرخص!”.
تذكّرتُ منشورًا كتبه شاعر صديق على صفحته في أيّار الفائت جاء فيه: “تشطيب لبياعين الشعر بالدينار، وحدة من بلادنا فكّرت تصير شاعرة سافرت على الاردن عند المقاول الاردني واتفقت معه على ديوان شعر موزون ومقفّى، ودفعت له عربون 400 دينار، والمقاول بلّش يكتب لها ويطرّز اشعار وطبع الكتاب باسمها. لكنها نصّابة ما رجعت لعنده وظل الكتاب بوجهه، وبعده ينتظرها ترجع عنده وتدفع بقيّة الحساب حتى تصير شاعرة. الله يفضحك يا مقاول على اثيوبية”!
بعد التواصل المذكور شاركت بلقاء أدبيّ، وما زلت حينها تحت الصدمة، وعرضت الموضوع على الحضور، من باب الدعابة والفكاهة إلى حين بدء اللقاء، وفوجئت بأحد “أعمدة” المشهد الثقافي المحليّ يقول بزهوِّ الديك الروميّ: “وشو القصّة؟ أنا كتبت قصائد لأربع “شاعرات” محليّات، ونُشرت القصائد في دواوينهنّ، الأسماء محفوظة، بأسمائهن”. سألته مستهجنًا:
” كيف لك أن تفعل فعلة كهذه؟”، فأجابني ببساطة وأريحيّة بأنّه فعلها تشجيعًا لهن!!
شتّان ما بين الكتابة الغيريّة والتشجيع أستاذي!
غوغلت في الأسبوع الفائت في الشبكة العنكبوتيّة فوجدت تاجرًا يبيع: “لكتابة المقالات والمسرحيات والنصوص التعبيريّة والتغريدات ونحو ذلك يُرجى التواصل على الخاصّ” وآخر يدلّل على “بضاعته”: “كتابة وبيع كلمات ونصوص شعر (شعر مكوّن من 7 سطور 5$، 14 سطر 10$، 20 سطر 20$، من بعد ذلك كلّ 5 سطور ب5$”!!
ادّعاء شخص بكتابة ما كتبه آخر، انتحال النصّ لشخصه ومنح الانطباع بأنّه هو كاتبه يعتبر عمليّة سرقة، نصب واحتيال رغم الاتّفاق بين الطرفين! وهذه عمليّة غشّ وخداع وجريمة أخلاقيّة، ولا أتحدّث عن الوضعيّة القانونيّة أبدًا!
كتب طه حسين وتوفيق الحكيم معًا الرواية المسرحيّة “القصر المسحور”، وكذلك عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا كتبا روايتهما المشتركة “عالم بلا خرائط”، وكتب الثنائيّ يوسف نبيل وزينب محمد رواية “في مقام العشق” ورواية “العالم على جسدي” وكان التوقيع مشتركًا، ولا عيب في ذلك لأن كلاهما تبنّيا المولود الذي اقترن باسميهما فجاء شرعيًّا!
“تلك العتمة الباهرة” كتبها طاهر بن جلّون، وهي رواية تتحدّث عن معتقل “تزممارت”، تروي مأساة أحد السجناء الذين تورّطوا في انقلاب الصخيرات، وهو السجين عزيز بنبين، بعد خروجه من سجنه ذهب إلى طاهر بن جلّون وأدلى له بوجعه ومأساته، طالبًاً منه توثيق هذه الأحداث بقلمه، وبالفعل جسّدها بن جلّون بشكل لا يُصَدق. لم ينتحلها ولم يوقّع عليها عزيز باسمه! شتّان بين هذا وبين السرقة الأدبيّة!!
وكذلك الأمر مع السياسيّين الذين يلجؤون لكاتب الظل (shadow writer) كي يكتب لهم سيرتهم، باسمهم، فيظهر على الكتاب اسميهما معًا! شتّان بين هذا وبين السرقة الأدبيّة!! ولكن، حين يبقى ذلك الكاتب الظلّي، الذي تلقّى “أجرًا”، بغضّ النظر عن نوعه، ماهيّته وقيمته، في العتمة ويقوم الآخر بنسب المولود لنفسه فهناك تكمن المأساة وتكون الصفقة محرّمة!
نعم، كلّ شيء بثمن، ولكن، بغضّ النظر عن الثمن الذي يدفعه منتحل النصّ، ذكرًا أم أنثى، وكأنّه صاحبه، هذه عمليّة نصب واحتيال، أخلاقيًّا وأدبيًّا، تؤدي بأدبنا إلى منحدر لا مخرج منه، وتوهمه بنجوميّته المصطنَعة ليتباهى ويتفاخر بحلّة ليست له وليست بمقاسه على صفحات التواصل الاجتماعيّ التي صارت مربط خيلنا، وفي مهرجانات واحتفالات إشهار ذاك المولود “المتبنّى” الذي يفخر به بين خلّانه، وكلّي قناعة بأن ذنب “البائع” المتورّط بالجريمة أكبر بكثير من ذنب ذلك المنتحل “المسكين” مهما كان الثمن الذي تلقّاه لأنّه سخّر قلمه لغاية في نفس يعقوب وانتشى كالطاووس لرواج بضاعته الفاسدة!
كفى! كفانا كذبًا، نفاقًا وتجارة بالنصوص كي نرتقي ونرقى بأدبنا.
ليكن واضحًا: أؤيد عرض نصّ كلّ منّا على منقّح/منضّد/محرّر لغوي قبل النشر للتعلّم والإثراء والتمحيص، ولكن شتّان بين ذلك وذاك، انتحال نصٍ ليس لك – والله عيب!
المحامي حسن عبادي
(نُشرت المقالة في العدد الرابع، السنة الرابعة، كانون أول 2018، مجلّة شذى الكرمل، الإتّحاد القطريّ للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل)