مقالات
ولكنهم هنا في فلسطين انصهروا فلسطينيين !(أ.د.حما عيسى
عِندمَا أتكلَم عَنْ فلسطين ، فأنَا أتكلَمْ عَنْ عَالمْ ، عَنْ دُنيَا ، عَنْ جنَة ، عَن وَطن جّميلْ وعن حب لا يموت أبداً)
“سنعيش صقوراً طائرين ، وسنموت أسوداً شامخين ،وكلّنا للوطن ..وكلّنا “فلسطينيين“.
نعم ، نحن في فلسطين وجدنا موحدين ، ونحن النموذج الطبيعي للمجتمع والإنسانية وللعلاقة بين الأديان، وعلينا أن نعطي نموذجاً ليس فقط في العلاقة بين الأديان ، وليس فقط في الوطنية ، وإنما بشئ أرقى وأشمل وهو الإنسانية. إن الحضارة العربية بنيت بيد أبناء الأمة مسيحيين ومسلمين معا ، وإن فلسطين ستبقى دائماً منارة للأمم في تعزيز روح التآخي الديني ، وإن وعي أبنائها سيظل الضامن الأكبر لخروجها منتصرة في مواجهة الفتن.
كانت ولا زالت تتمتع فلسطين بتنوع جميل، فتنوعت تضاريسها، فرسمت الجبال والسهول والصحاري والاغوار خارطتها بروعة وعناية، وتسلسل التاريخ والحضارات بانسياب بين حقب ازمنتها، فدخلها الفرس والروم والصليبيون، وعمر في حضارتها واثارها الفاطميونوالأمويون والعباسيون، وهبط فيها الرسل والانبياء، وباتت قبلة المصلين والمؤمنين، فهي مهد وقيامة يسوع المسيح له المجد ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم . مدن فلسطين وقراها وحاراتها وشوارعها خير شاهد على تنوع انساني طائفي عرقي جميل، بنوا وعمروا وعاشوا هنا في فلسطين، جاؤا منذ زمن بعيد من قارات ومدن بعيدة، ليكونوا جزءً من حضارة عريقة، حضارة فلسطين ، فعاش فيها الاقباط والأرمن والتركمان والبهائيون والاحمديون والأفارقة، وجاورهم الشركس والسريان والسامريون والدروز، واحاط بهم الموارنة والغجر الروم والاكراد، لكل منهم عاداته وتقاليده، ماضيه وحاضره، ولكنهم هنا في فلسطين انصهروا فلسطينيين، فيها عاشوا واقاموا، رابطوا ودافعوا.
ففي فلسطين من اي مكان جئت ومن اي بلد قدمت تشعر وللوهلة الأولى انك في موطنك، ففلسطين بتنوعها وبهائها تجد فيها من كل حضارة قبس، ولكل ديانة فيها نفس، فالمساجد والكنائس تتعانق، ولمختلف الاطياف والاعراق فيها مقام ، فالزوايا والتكايا والأديرةوالمدارس لكل الطوائف والاعراق، لا طائفة تتعدى على أخرى ، ولا عرق يزاحم آخر، ففلسطين وحدها رغم صغر مساحتها، وانتهاكات المحتل فيها، كانت ولا زالت وستبقى مهبط الانبياء ، ومهد الحضارات.
|