ثقافه وفكر حر

أنشودة هذا المساء / بقلم اسماء الياس

أنشودة هذا المساء…
كان أشرف جالساً وحيداً على شرفته يتأمل السماء… فكانت السماء في مثل هذا الوقت من السنة… بالتحديد فصل الربيع… في منتصف شهر نيسان ابريل… صافية نسماتها عليلة… هدوء تسرب لجوانحه… وجد نفسه يعود لطفولته البريئة… والتي كان يعتبرها من أجمل فترات عمره… وجد نفسه يعود لتلك الفترة التي كان يقضي جل وقته يلهو على البيدر… مع جده حيث أكوام الحنطة تنتظر الدراسة… وكان جده يمتلك لوح دراسة يجره ثور أو حمار… بتلك الفترة كان لا يتخيل بانه توجد متعة بالحياة… مثل أن يكون بجانب جده يرافقه على لوح الدراسة… ينهر الثور أو الحمار… أحياناً يضربه ضربة خفيفة بالعصا… وحتى لا يزعج الحيوان كان يفضل أن يلمسه بكفة يده الصغيرة… لذلك كان كل الأولاد يحسدونه على جده… وحتى لا يخاصمه أصحابه وأبناء صفه… كان يدعوهم حتى يشاركوه تلك المتعة بركوب لوحة الدراسة… والثور يلف بهم بسرعته المعتادة… كانت نسمات لطيفة تلطف حرارة الصيف الحارقة… وتذكر أيضاً الجيران الذين كانوا يأتون لهم بالماء البارد… حتى يروا عطشهم…
ذلك الزمن الجميل تمنى لو يعود… الناس زمان كانت قلوبهم رحيمة محبة… صلة رحم لم تكن تنقطع… مهما حدث كان السماح متواجد…. كان الجار دائماً يسأل عن جاره… تلك المحبة التي فقدت بهذا الزمن… كان أشرف دائماً يسأل نفسه لماذ الانسان تغير… أصبح يركض وراء المادة… الأطماع أقفلت عيون البشر… وقلوبهم أصبحت أكثر قسوة… حتى على أخيه الذي هو من نفس لحمه ودمه… هذا الشيء كان يزعج أشرف وهو يرى هذا الانزلاق بالأخلاق بالتربية… أين تربية زمان… أين الاحترام الذي كان يراه بعيون الصغار للكبار… كأن الدنيا انقلبت رأساً على عقب… زمان كانت أبواب البيوت دائماً مشرعة… كانوا يتركونها مفتوحة… هناك كان أمان… ذلك الأمان الذي فقدناه اليوم… اليوم انت لا تامن على طفلك أن يخرج لوحده خوفاً عليه من الخطف او القتل…
وتلك الحادثة التي حدث امام عيونه… قلبت لديه كل الموازين… أصبح أكثر انغلاقاً على نفسه… لم يعد يزور أحداً… أصبح بيته هو ملجاه الذي كان يجد فيه الأمان… ويشتم فيه رائحة جده… ملابسه لوح الدراسة الذي إلى اليوم محتفظ به… في المخزن مع باقي أغراض جده… كان كل فترة يذهب ويمسحه من الغبار… ويرشه بالماء حتى يبقى جميلاً… كان يريد أن يبقيه على حاله…. لكن ذلك الحادث العنيف الذي جعله يفكر لماذا وصل بنا الحال لهذه الدرجة من الانحطاط… أين انسانيتنا… أين تلك المحبة التي كان يلمسها ويعيشها بطفولته البريئة… ذهبت أو تبخرت او ماتت….
أصبح اليوم القتل وسيلة حوار بين شخصين أو اكثر… كل شخص تضايق من أحد يرفع عليه مسدس وطاخ طاخ أرداه قتيلاً… حتى أصبحنا ننام وننهض على جريمة قتل… حوادث خطف… رجل يعتدي على زوجته ويقتلها…
لكن ماذا نفعل تساءل أشرف… مظاهرات أقمناها… اضرابات أعلناها… اجتماعات تجمهرات كلها قمنا بها… لا شيء يفيد… صراخ أم ثكلى لموت ابنتها ذبحت على يد زوجها… إلى اليوم تبكيها وتنوح عليها… المجرم ما زال يتنفس… وهي تحت التراب أصبحت… ماتت انتهت حياتها أحلامها توقفت…. كل ما كانت تحلم به ذهب ومات معها…
كأن العنف أصبح مثل السرطان الذي انتشر بالجسم… ولم يعد منه شفاء… لذلك كان يعود بذاكرته لطفولته لذلك الزمن الجميل… كان يتمنى لو يعود ذلك الزمن بكل ناسه…. طيبتهم محبتهم قلوبهم الصافية… لكن هيهات لن يعود….
الذي أريد أن أوضحه من خلال قصتي هذه أن نتأمل حياتنا اليوم ونعود لانسانيتنا التي سلبت منا…. هيا إذا يداً بيد حتى نحمي بناتنا وشبابنا من الموت…. وكل قاتل يجب ان يحاكم ويعدم لا رحمة لقاتل …..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق