شعر وشعراء

عسل الغربة (1) للشاعر جواد يونس

جزيل الشكر للأخ الكريم Hassan Ismail Zannoun لتفضله بإنشاد الجزء الأول من قصيدتي الطويلة(عسل الغربة).

عسل الغربة (1)

لا تهاجر، يا ابنَ أمّي، لا تهاجِرْ *** عسلُ الغُربةِ مغشوشٌ وضائرْ

دسَّت الغربةُ سُمًّا وسْطَ ما *** قدَّمتهُ لحِصاني من سكاكِرْ

هكذا حظّيَ دَومًا: عاثرٌ *** كيفَ ينجو من رمالِ الحُزنِ عاثِرْ؟!

إن أنا شرَّقتُ يومًا غرَّبت *** فرحَتي مثلَ فتًى طِفلًا (يُجاكِرْ)!

لن ترى في غُربةٍ ما قد روى *** سائحٌ مرَّ كغيمٍ أو مغامِرْ

إنَّ عينًا حُرِمَت أحبابَها *** كَالفَيافي سترى أبهى المناظِرْ

إنَّما الغُربةُ فخٌّ مُحكَمٌ *** تُسقِطُ الأحلامُ فيهِ كلَّ طائِرْ

واسألِ الأصحابَ ممَّن هاجَروا *** واجتنبْ من لم يزل جهلًا يُكابِرْ

سيقولون: هدرنا عُمرَنا *** وسْطَ تيهٍ لم نزل فيهِ نُسافِرْ

إن وجدنا المنَّ والسَّلوى فكم *** أمَّهاتٍ خبزت أشهى الفطائِرْ!

إن للزَّيت مع الزعترِ ما *** ليسَ يُنسيهِ طعامٌ جِدُّ فاخِرْ

والفلافِلُ الشَّآميَّةُ لا ** (بُرغَرٌ) يعلو عليها في الشطائِرْ

نشتري الزيتَ ومن زيتونِنا *** يأكل الكلُّ وما في الكلِّ شاكِرْ!

نشتهي التينَ وأعنابًا كما *** عسلٌ يجري نُهورًا في الحناجِرْ

كم بكينا ليلةَ الفِطرِ فلم *** نسمعِ التكبيرَ من أعلى المنائِرْ

ومُنِعنا يومَ عيد النَّحرِ مِن *** سُنَّةِ الهادي وتعظيمِ الشعائِرْ!

كم تغيَّبنا عن الأفراحِ في *** عُرسِ أختٍ، أو أخٍ بكرًا يُطاهِرْ!

لم تُرِح آذانَنا زغرودةٌ *** أو (هَهاوي) خالةٍ تجبرُ خاطِرْ

كم وأدنا دمعةً في القلبِ إذ *** جاءنا نعيُ قَريبٍ أو مُجاوِرْ

فاستحالت جمرةً من حزَنٍ *** في فؤادٍ بزَّ في الصبرِ المجامرْ!

لا يشمُّ الصَّحبُ إلّا صبرَهُ *** إنَّ ريحَ الصبرِ يومَ الكَربِ عاطِرْ

كم جلدتُ النفسَ، لكن قال لي العقلُ: من يقنَعْ بلَومِ النفسِ خاسِرْ!

إنَّما الرابحُ مَن يجعلُ ما *** فاتَ درسًا نافعًا في صنعِ حاضِرْ

ليسَ يُنجي من قضاءٍ حذَرٌ *** فارحمِ النفسَ من اللَّومِ وصابِرْ

كم أصابت طلقةٌ شِنّارةً *** بينَ عينَينِ أذى الفخِّ تُحاذِرْ!

جواد يونس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق