مقالات
انسانية كافر ؟! رعد اليوسف
ناوله مبلغا ًمن المال وانصرف ، دس المبلغ في جيبه وتمتم ، ظننت انه يحدثني ..وقبل ان أسأله نظرت اليه ..فأجابني كأنه يعلم بسؤالي : تأخر عليّ قليلا..ولكن ماشي !
لم افهم منه شيئا لا حينما تمتم ولا عندما اجابني ، فالكلمات كلها مبهمة والجمل ، مما دعاني الى ان استفهم منه ..ماذا قلت ؟! فأجاب ابو ايمان العبايجي الميكانيكي في كوبنهاكن الذي تفوق ورشة عمله في نظافتها وترتيبها نظافة وترتيب الكثير من العيادات الطبية في بغداد ..اجاب :
– هذا دنماركي وهو زبون قديم ، كان لي دين عليه وجاء الان يسدده متأخرا قليلا ..لكني سامحته .
جواب العبايجي ولّد لديّ سؤالا جديدا ، فالدنماركي لا يتعامل الا بالدفع النقدي كونه غبر معتاد على طريقة الدفع بالاجل مثل الكثيرين منا . مجددا سألت ابا ايمان عن ذلك .فأجاب : للموضوع قصة ؟!
والقصة تشير الى ان هذا الرجل الدنماركي ، كانت لديه سيارة حديثه ، على رواية العبايجي التي يضيف فيها ،وشقة راقية وهو موظف والوظيفة في اوربا مكسب كبير وكذلك التملك والسيارة الحديثة .وفجأة باع الشقة وباع السيارة واشترى من العبايجي سيارة متوسطة العمر وصار يصرف عليها مبالغ كبيرة للتصليح ، حتى وجد نفسه في المرة الاخيرة مفلسا ولا يمتلك ثمن اصلاح السيارة ، فألتجأ الى ابي ايمان ليصلح له السيارة على ان يدفع له المبلغ فيما بعد !!
يقول ابو ايمان ..رفضت الطلب ..اذن لماذا يدفع لك الان ، اذا كنت رفضت طلبه سابقا ..قلت ..فأجاب :
– لاني وافقت فيما بعد ..اذ وضح لي الصيغ التي استنفدت بها امواله العظيمة تلك ..وقبل ان يسترسل العبايجي في سرد تفاصيل قصة الدنماركي ، تراءت لي خواطر من نسيج ذهني ملخصها ان الاموال تسربت في مجالات الخمور وصالات القمار والملاهي وغير ذلك من المنافذ التي عادة ما تتبخر فيها الاموال في اوربا . لكن العبايجي جاءني بما لا يخطر على بالي .انه قال :
– ان هذا الدنماركي اخبرني ببيع شقته وسيارته وانفق الثمن على اربع بنات جاء بهن من افريقيا وتولى اجور الاقامة والدراسة على نفقته في الدنمارك !! وهو في غاية السعادة على ما فعل . ويؤكد ان سعادته تكبر كلما نظر الى فرحهن وتفوقهن في الدراسة ..ولاجل هذا وافقت على تصليح سيارته ب ( الدين ) اي الدفع بالأجل !
هذه التفاصيل الجميلة ، على قدر ما اشاعت في نفسي الفرحة والمسرة لانها تحمل في طياتها معطيات انسانية عظيمة ، وتضحية من اجل الاخر ، فانها فتحت النوافذ لتطل الاحزان على قلبي وروحي ، حيث تذكرت اهلي واخوتي واحبائي في العراق ، والايتام والارامل والفقراء وهم يتضورون جوعا ، ويموتون اغتيالا ، وتصفحت سجلات السياسيين والمسؤولين والاغنياء عسى ان اجد (“متأسلماً) منهم يمتلك صفة من صفات هذا الانسان الذي ان تحدثوا عنه في مجالسهم فانهم ينعتونه ب “الكافر” !!
وظهرت امامي لوحة اربعة ملايين طفل يتيم وستتة ملايين ارملة حسب احصائية لجنة الاسرة والطفولة في محافظة بغداد مؤخرا ، يعانون من نقص في العواطف والرعاية والجوع في بلد اكثرسكانه يدين بالاسلام ويطفو على بحر من بترول وذهب ومعادن وخيرات ، ترى بماذا سنجيب غدا حينما نسأل عن السبب في ضياع اجيال .. ضياع بلد كامل ..ولا اظن ان احدا سوف لا يلقي الذنب والتقصير والمسؤولية على السياسيين ، ذلك انهم انشغلوا في ايجاد الذرائع والفتاوى لشرعنة سرقاتهم على حساب الايتام والفقراء !! وتركوا العراق ..هذا البلد واهله تأكله النيران ..ويهدده الغرق .
تمنيت ان اجد شهامة وانسانية هذا الدنماركي ، متجسدة في سلوك الطبقة السياسية والدينية والغنية في العراق ، لافتخر واتباهى بها وارفع رأسي ..لكني وللاسف الشديد كنت اعود يائسا محبطا من كل تجوالي في عالم وسجلات الارصدة الخاصة في البنوك العالمية ، لاسماء وعناوين مسؤولين في السلطة العراقية التي ابتليت بالجوع الذي لا بد وان ينتهي بحفنة من تراب ..وهي اتية لا محال !!
• ترى ماذا سيقول من يعنيه الامر بعد قراءة هذه الاسطر التي تحكي عن انسانية (الكافر ) ..هل انه سيصر على “اسلامه” الذي لا يبلغ به مستوى هذا “الكافر”..وهو قادر على خدمة الفقراء ، غير انه يهرب كي لا يسمع ولا يرى !!
• ام انه سيصنع امرا اخر ؟!