مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية عاشق غريب وقلب الياقوت من الفولكلور التركي
صدفة خير من ألف ميعاد (حلقة 1 )

في مدينة غازي عنتاب في جنوب تركيا، حيث يفوح المسك والعنبر من الأسواق وتتمايل المآذن مع أنفاس الريح، وُلد “غريب” لأسرة بسيطة. كان فتىً نحيل الجسد، جميل الوجه، فيه مسحة من شجن مبكر، كأنّ السماء سكبت فيه أسرارها. في سن مبكرة، عرف غريب أنه مختلف: كان يسمع همسات الأشجار، ويبكي حين يغني النهر. علّمته أمه نظم القصائد، فصار ينسج الأبيات كما ينسج العنكبوت خيوطه الذهبية، وكان يذهب للسوق فيقف ويغني غناء يأسر شغاف القلوب فيقف المارة ويستمعون، وهم يهزون رؤوسهم، طربا ثم يرمون له قطعا نقدية في قبعته ،فيجمعها ويشتري بها طعاما وثيابا لأمه وأخته ،كان الأغنياء من التجار لا يعطونه شيئا بل ينزعجون من فقره وأحيانا يطردونه، لكن البسطاء يحبونه فأغانيه لها دفئ الشمس وحفيف االأشجار وكأن الهواء يعزف له ويرافقه في غنائه
وذات صباح ذهب لسوق الحرير ،وبدأ يغني كان الناس مشغولين بالبيع والشراء لذلك فإن قلة من المارة يسمعون الغناء وفجأة مر موكب أحد الأعيان وكان العبيد يحملون محفة من الخشب المنقوش ،ولما إقترب من غريب، سمعت الفتة الغناء الشجي، فرفعت التارة ونظرت بفضول إلى فتى في مثل عمرها تخرج الكلمات من فمه كأنها نفحات من الطيب ، إستأذنت من أمها أن تنزل فهي تحب الغناء .كانت ترتدي ثوبًا بلون السماء، وعيونها كسواقي الربيع. اسمها قلب الياقوت ، جميلة كأنها البدر ،حين التقت عيونها مع غريب، شعر أن الأرض تميد تحته،وبالحب يغازل قلبه فألقى عليها نظرة واحدة كانت كافية ليألف أغنية ، إنتظمت الكلمات وحدها، ومن شدو البلبل أخذت ألحانها فغنّى :
يا نبعَ حبّ عذب الأثر
لولاكِ ما غنّتْ عصافيرُ الهوى
ولا عشق الورد طلوع القمر
زرقة عينيك مسكن روحي
إلى البحر يرافقني طيفك في ليلة سمر
…
تتموّج جدائلك مع هبوب النسيم
تأخذني بعيدا في سفر
كأنكِ الحلم الذي عاش في خيالي
يسقي فؤادي خمرا أو حبات مطر
كانت الفتاة تنظر إلى غريب بشغف، وقد سرها جمال وجهه وغنائه لم تهتم أبدا بملابسه القديمة ولا حذاءه المثقوب ،لقد أعجبها الإنسان، ومنذ أن كانت طفلة فهي متواضعة النفس وذلك لم يكن يعجب أبواها ،وفي الأخير إبتسمت لغريب الذي خفق قلبه بين أضلاعه لجمال تلك الإبتسامة وواصل الغناء بصوت يفيض رقة وعذوبة ،ومن تلك اللحظة، صار غريب عاشقًا بحقّ،.أما الفتاة فشعرت كأنها تحلق في السماء مع كل كلمة تسمعها ،كانت أغنية جميلة جدا لم يغن مثلها الفتى في حياته ،وهذه المرة توقف كل من كان ماشيا ونظر إليه التجار الذين يكرهونه بدهشة ،ثم أطت المرأة ،وقالت للفتاة هيا إركبي ولا تعطلينا ،إذا أعجبك غناء هذا الفتى سنأتي به ليغني في ليلة زفافك، لا تنسين أننا هنا لشراء مستلزمات العرس ،لكن الفتاة كانت تكره الرجل الذي إختاره لها أبوها فهو يكبرها سنا وكرشه منتفخة من كثرة الأكل ،طول الطريق كانت شاردة ونظراتها حائرة. قالت لها أمها :أنا أعرف ما يدور في خاطرك ،وأريدك أن تنسين الموضوع !!!إنتبهت الفتاة وقالت عن أي شيئ تتحدثين يا أمي قالت المرأة لا تتضاهرين أمامي بالغباء تعرفين من أقصد صمتت قلب الياقوت، وعرفت أن سرها صار مكشوفا ،لكنها تحس بالسعادة ،فلقد أفسد أمر الزواج حياتها وصارت تعيش في غمّ حتى ضجر كل من في القصر منها ،في ذلك المساء كانت الفتاة مختلفة عن العادة وحسنة المزاج ،ونزلت للعشاء مع والديها ،وفرح أبوها، واعتقد أن ابنته قد رضيت بالزواج، لكن أمها كانت تعرف الحقيقة وصمتت لكي لا تفسد السهرة في ذلك الطقس الربيعي …
… يتبع الحلقة 2
حكايات من العالم الاخر