مقالات

القتل جريمة لا تُغتفر، من أعطى القاتل هذا الحق

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد
لا أحد يملك حق إنهاء حياة إنسان بريء، فالله وحده هو الذي يحيي ويميت، ومن يتجرأ على سفك الدم الحرام فقد تعدّى على ما ليس له، وارتكب جريمة تهتز لها السماوات قبل الأرض. القتل ليس مجرد فعل عنيف، بل هو عدوان سافر على الإنسان، وعلى كل مشاعر الحب والأمل التي بناها أهله فيه، ليأتي قاتل غادر فيحطم كل شيء بلحظة من الظلم.
أي حق يمكن أن يبرر تحويل فرحة العمر إلى حزن أبدي؟ أي منطق يجيز خطف الحياة من إنسان لم يكن له ذنب إلا أنه وُجد في طريق قاتل أعمى القلب؟ ليس هناك مبرر، وليس هناك حق، بل هي جريمة لا تُغتفر، وظلمٌ لا تزيله السنوات.
القاتل ليس فقط سفّاحًا للدماء، بل سارقٌ للفرح، يهدم أسرة، وييتم أطفالًا، ويرمّل زوجات، ويجعل القلوب تحترق بغياب من أحبّت. هل يدرك القاتل حجم الجريمة التي ارتكبها؟ هل يشعر بثقل الدموع التي تسقط كل ليلة على وسادة أمٍّ فقدت فلذة كبدها، أو أبٍ تحطمت أحلامه في ابنه الذي ربّاه لحظة بلحظة؟
ولهذا كان القاتل في ميزان الله مستحقًا لأشد العقوبات، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ (النساء: 93). هذه العقوبة ليست عبثًا، بل هي انعكاس لحجم الجريمة وبشاعتها، فمن يستهين بدماء الناس يستهين بالحياة نفسها.
إننا أمام ظاهرة خطيرة تتطلب موقفًا حازمًا من المجتمع، من الأسرة، من القوانين، ومن كل صاحب ضمير. السكوت عن القتل هو تمهيد لمزيد من الجرائم، والتهاون مع المجرمين يعني إعطاء الضوء الأخضر للمزيد من المآسي. لا بد أن نعيد ترسيخ قدسية الحياة في النفوس، ونعلم أبناءنا أن القتل ليس بطولة ولا انتقامًا، بل هو سقوط في وحل الجريمة والعار.
الروح أمانة، والدماء ليست لعبة، ومن استهان بها فقد استهان بالحياة نفسها، وسيحاسب أمام الله والناس والتاريخ!
بقلم: مدير دار الافتاء والبحوث الاسلامية (48)
د. محمد طلال بدران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق