مقالات

بيروت ..القضية الفلسطينية من زوايا أربع مؤسسات بحثية

كارم يحيى

تحقيق صحفي
معذرة طويل حبتين
لكن أظن يهم من يهتم بالقضية الفلسطينية
والصراع الممتد مع الصه..يونية
ويسمح بالإطلاع على آخر اصدارات واهتمامات
( 39 كتابا خلال العام 2024)
وطرق العمل الجديدة
لكل من : مؤسسة الدراسات الفلسطينية و مركز دراسات الوحدة العربية
و مركز الزيتونة و المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ( فرع بيروت)

والنص هنا وورد لمن يود
القراءة ولايجد إليه سبيلا
ثم الرابط من الناشر جريدة “العربي الجديد”
وموقعها الإلكتروني

بيروت.. القضية الفلسطينية
من زوايا أربع مؤسّسات بحثية

آداب وفنون

تحتضن بيروت أربع مؤسّسات بحثية تُوالي نشر كتب ودراسات ودوريات حول القضية الفلسطينية، أقدمُها “مؤسّسة الدراسات الفلسطينية” التي تأسّست عام 1963، وأحدثُها فرع “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” الذي تأسّس عام 2012، ومقرُّه الرئيس في الدوحة.

وخلال نصف القرن الممتدّ بين التاريخَين، أُنشِئ “مركز دراسات الوحدة العربية” عام 1975، ثمّ جاء “مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات” عام 2004، وهو، على خلاف المؤسّسات الثلاث الأُخرى، لا يشغل مبنىً بكامله، وإن دفعت الأزمة الاقتصادية وانهيار العُملة المحلّية في لبنان “مركز دراسات الوحدة العربية” لأن يُخلي، مؤخّراً، عدداً من طوابق المبنى الذي يشغله.

آخر إصدارات 2024

أصدرت المؤسّسات الأربع مجتمعةً 39 كتاباً جديداً خلال 2024. وقبل أيام من نهاية العام، بدا أنّها تتسابق في إصدار كُتب جديدة حول القضية الفلسطينية. ويتّضح من مراجعة قوائم النشر أنّها اختتمت العام بإصدار هذه العناوين: “أثر الصُّورة: الفوتوغرافيا وتاريخ فلسطين المهمَّش” للباحثِين الفلسطينيّين عصام نصّار وإسطفان شيحا وسليم تماري عن “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”، و”دور عائلة روتشيلد في إنشاء دولة ‘إسرائيل'” للباحث المصري معتمر أمين عن “مركز دراسات الوحدة العربية”، و”أوراق علمية حول معركة طوفان الأقصى والعُدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة” لمجموعة باحثين عن “مركز الزيتونة”. أمّا فرع “المركز العربي” في بيروت فأصدر “البدايات والرفاق والمصائر: حوار مع جورج حبش”، والذي يجمع حوارات مع الأمين العام لــ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” أجراها قبل خمسة وثلاثين عاماً المناضلان الراحلان شريف الحسيني وسائدة الأسمر، وقد حرّر الكتاب وقدّم له صقر أبو فخر.

اللّافت أنّ هذه المؤسّسات اختارت أحياء وسط مدينة بيروت مُستقرّاً لها، على الرغم من الأعباء المالية وزحام حركة السَّير (“مركز الوحدة العربية” في الحمرا، و”مؤسّسة الدراسات الفلسطينية” في فردان، و”مركز الزيتونة” في عائشة بكّار، و”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” بالقرب من ساحة رياض الصُّلح).

ويستنتج من يزورُها ويحاور القائمين عليها توافُر وعي مشترك بأنّ العمل انطلاقاً من لبنان ما زال يؤمّن بيئة أكثر انفتاحاً وهوامش أوسع لحرّية البحث والتعبير مقارنةً ببلدان عربية أُخرى، فضلاً عن أنّ البلد يظلّ الأيسر في الترخيص لهذه المشروعات وتقنين أوضاعها، مع سمعة عريقة لا تُبارَى في طباعة ونشر الكتاب وتصديره.

اللافت أيضاً أن المؤسّسات الأربع تُقدّم نموذجاً للعمل العربي المشترك في البحث والثقافة والفكر، على خلاف الميراث المرير للحكومات والقادة والمسؤولين الرسميّين في هذا المضمار، حيث تضمّ هياكلُها الاستشارية والتنفيذية مفكّرين وباحثين وكوادر إدارية وفنّية من بلدان عربية شتّى.

ولا يفوت زائر المؤسّستين الأقدم (“مؤسّسة الدراسات الفلسطينية” و”مركز دراسات الوحدة العربية”) والمتابع لمسيرتيهما أنّهما عرفتا تغيُّراً في القيادة، إذ يقودهما اليوم جيلٌ شاب، أو أقلّ عُمراً ممّن سبقه، وعلى صلة أوثق بالتكنولوجيا الرقمية والتسويق الإلكتروني، إلى جانب الورقي، بعدما غادر جيل المفكّرين والأكاديميّين والمنخرطين في العمل السياسي والقومي العربي، من أمثال الباحث وليد الخالدي بالنسبة إلى الأُولى، وخير الدين حسيب بالنسبة إلى لثانية.

ما الذي تغيّر في
“مؤسّسة الدراسات الفلسطينية”؟

منذ تأسيسها، ومكتبة “مؤسّسة الدراسات الفلسطينية” تُعدّ المقصد الأوّل في بيروت للباحثين في شؤون الصراع العربي- الصهيوني، فهي تضمّ حوالي 80 ألف مجلّد مرجعي عن القضية الفلسطينية. ويُلاحظ زائر المؤسّسة كيف يتمّ الاحتفاظ بمجلّدات الصحف والمجلّات والدوريّات الفلسطينية واللبنانية القديمة والنادرة، فضلاً عن بعض الوثائق التي تحمل تنبيهات باللون الأحمر عند إصدارها بأنّها “محظورة” أو “محدودة التداول”.

لكن لا يُقارَن ما في المؤسسة من وثائق وأرشيفات بما كان لدى “مركز الأبحاث الفلسطينية” التابع لمنظّمة التحرير (تأسّس عام 1965)، والذي تعرّض للهجمات والنهب خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، ونُقلت محتوياته خارج لبنان.

التقت “العربي الجديد” بالمدير العام للمؤسّسة، الباحث خالد فرّاج، عبر منصّة “زوم”، بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، حيث لفت إلى أنّ “مركز الأبحاث كان مستهدفاً بقوّة نتيجة صِلته المباشرة بالمنظّمة وطابعه السياسي. أمّا مؤسّستنا فلها هويّتها العربية الدولية الأكاديمية بالأساس. ومع هذا نعمل على حماية المكتبة والأرشيف قدر الإمكان، وخصوصاً عندما نرى كيف استهدف العدوان الإسرائيلي المؤسّسات الأكاديمية في غزّة منذ 7 تشرين الثاني/ أكتوبر 2023؟”.

صدرت لفرّاج، الذي تولّى إدارة المؤسّسة العامّة في 2015، خلفاً لمحمود سويد الذي شغلها بدوره منذ 1982، دراساتٌ ميدانية عن المُدن والمخيّمات الفلسطينية، وهو باحث بالكاد تجاوز الخمسين من عمره، متخرّجٌ من “جامعة بيرزيت” في الضفّة الغربية، ويعاونه مدير مكتب المؤسّسة في بيروت، حيث مركزها الرئيس، الباحث والكاتب اللبناني الشابّ رامي الريّس، الحاصل على ماجستير في العلوم السياسية من “الجامعة الأميركية” في العاصمة اللبنانية.

وللمؤسّسة مكتبان آخران في رام الله وواشنطن، والأخير تصدر عنه الطبعة الإنكليزية من مجلّة Journal of) Palestine Studies) و”فصليّة القدس” (Jerusalem Quarterly). بالإضافة إلى فصليّة “الدراسات الفلسطينية” بالعربية، والتي ما زالت تصدر بانتظام من بيروت منذ 1990. أمّا الطبعة الفرنسية، فكانت تصدر من باريس بشكل مستقلّ في إدارتها وموادّها، منذ عام 1981 حتى توقّفها عام 2008 لأسباب مالية.

ويُتابع فرّاج حديثَه إلى “العربي الجديد”: “تنشر المؤسّسة سنوياً ما بين عشرة و15 عنواناً في حدٍّ متوسّط، ويُطبع من كلّ عنوان ألفَا نسخة. وإن كنّا نطمح إلى إنتاج ورقي أكثر انتشاراً، فإنّ الظروف الماليّة الصعبة تعيق ذلك”.

مواكبة “طوفان الأقصى”
عبر بدائل إلكترونية

وفق موقعها الإلكتروني، فقد نشرت “مؤسّسة الدراسات الفلسطينية”، منذ تأسيسها، 672 كتاباً ورقيّاً، بعضها بالإنكليزية والفرنسية والإسبانية، وبمتوسّط 11 كتاباً في العام الواحد. واللّافت أنّ إصدار هذه الكتب اتّجه للزيادة قبل انهيار العملة اللبنانية، حيث بلغ 21 و17 كتاباً في عامَي 2018 و2019 على التوالي. أمّا بعد الانهيار وتفاقُم الأزمة الاقتصادية في لبنان فقد انخفضت الإصدارات، إذ لم ترَ النور إلّا سبعة كتب فقط في 2023.

لكنّ العام الماضي شهد زيادة في الإصدارات الورقية مرّة أُخرى؛ لتبلغ 15 كتاباً، يحمل العديد منها عناوين تواكب عملية “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة الصهيونية على غزّة، مثل: “الإخفاق الاستخباراتي والعسكري والسياسي الإسرائيلي في 7 أكتوبر: دراسات وتحليلات لخبراء وباحثين إسرائيليين” من إعداد رندة حيدر، و”حماس: صعود المقاومة الفلسطينية ومحاولات الاحتواء” لطارق بقعوني، و”غزّة تروي إبادتها: قصص وشهادات” بتحرير أكرم مسلّم وعبد الرحمن أبو شمّالة، ويتضمّن قصصاً وشهادات لكُتّاب وشعراء وصحافيّين عن حرب الإبادة الصهيونية وآثارها ومقاومة الإنسان الفلسطيني في القطاع لها.

من جانب آخر، يُفيد تصفُّح الموقع الإلكتروني بأنّ المؤسّسة أصبحت تعتمد على النشر الإلكتروني باللغتين العربية والإنكليزية لإتاحة كَمٍّ أكبر من النصوص التي يجري دفعها إلى المطابع. والموقع يعجّ بالإصدارات الجديدة التي تُلاحق الأحداث والتطوّرات من الدراسات والمقالات و”أوراق السياسات” و”يوميّات الصراع العربي الإسرائيلي”، إلى جانب “الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية”، ومختارات مترجَمة يومياً من الصُّحف العبرية، ومنصّة “توثيق استهداف وتدمير القطاع الصحّي في قطاع غزّة” التي أُطلقت مؤخّراً، وشهادات مُصوَّرة بالفيديو، وقسم للمدوّنات تحت عنوان “فلسطين الميدان”، وندوات رقمية.

يقول فرّاج: “منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، ولمواكبة تطوّرات حرب الإبادة على غزّة، نشرنا في الموقع الإلكتروني حوالي 150 ورقة سياسات، واستحدثنا برنامجاً لتوثيق العدوان على غزّة ولبنان، مع الاستمرار في برامجنا المُقرّرة سلفاً”، مضيفاً أنّ القيادات الشابّة في المؤسّسة أسهمت، بما تمتلك من خبرات التسويق والتكنولوجيا، في انتشار إنتاج المؤسّسة، وتفاعلها مع جمهور أصبح بمئات الآلاف، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والندوات الإلكترونية.

ونقلت “العربي الجديد” إلى خالد فرّاج انتقادات مفادُها أنّ المؤسّسة تتجنّب انتقاد اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، وتتّخذ موقفاً من خصوم “منظّمة التحرير الفلسطينية” وحركة “فتح”، فردّ نافياً: “راجِعُوا إنتاجنا وسيتبيّن لكم أنّنا تطرّقنا لكلّ القضايا. نحن لسنا حزباً سياسياً، ونقوم بواجبنا العِلمي بوصفنا مؤسّسة بحثية مستقلّة”.

باحثة فلسطينية
على رأس “مركز الوحدة العربية”

تُمثّل لونا أبو سويرح نموذجاً للتغيير في قيادة هذه المؤسّسات البحثية الأربع ببيروت. شابّة فلسطينية، مولودة في بيروت من عائلة غزّية، ودارسة للتنمية الاقتصادية والعلاقات الدولية في الولايات المتّحدة، وعملت في منظّمات ومشروعات دولية. جاءت إلى منصب المديرة العامّة لـ”مركز دراسات الوحدة العربية”، ورئيسة تحرير مجلّته الشهرية “المستقبل العربي” في عام 2017، لتخلف المُفكّر والسياسي العراقي الراحل خير الدين حسيب، أحد رموز القوميّين العرب، والذي ظلّ يشغل لنحو اثنين وأربعين عاماً المناصب القيادية الثلاثة للمركز منذ تأسيسه: رئاسة مجلس الأمناء، واللجنة التنفيذية، والإدارة العامّة.

التقت “العربي الجديد” أبو سويرح في مكتبها بالمركز، حيث لفتَت إلى أنّ اللائحة الداخلية طرأت عليها تغييرات للمرّة الأُولى لفكّ الارتباط بين المناصب القيادية الثلاثة، وتحديد مدّة تولّي هذه المناصب بأربع سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة فقط. وعلاوة على هذا شمَل التغيير حوالي 13 عضواً من أعضاء مجلس الأمناء البالغ عددهم 30 عضواً.

وتُضيف: “كان مؤسّسو المركز من المناضلين، لكن التجديد ضرورة بقاء واستمرار. وأصبح علينا الانتقال إلى أدوات عمل وطُرق جديدة، وإعادة بريق المركز بما هي مؤسّسة فكرية وثقافية مستقلّة معنيّة بهموم وشؤون المواطن العربي وقضاياه، وليست فقط ناشرا تظلّ له أهمّيته ومكانته عربيّاً. والأهمّ بالنسبة إلينا هو تحويل ما تراكَم من معرفة لدى المركز في كتب وإصدارات ورقية أُخرى على مدى عقود سابقة إلى موادّ مرئية ورقمية تُخاطب الأجيال الجديدة وتصل إلى عقولهم. وبالأصل لدينا مخزونٌ من الأفكار والتصوّرات عن الواقع والمستقبل صاغتها أجيال سبقتنا”.

ظلال الأزمة الاقتصادية

انعكست آثار الأزمة الاقتصادية المالية في لبنان على “مركز الوحدة العربية للدراسات”، ما أدّى إلى انكماش مقرّه في أربعة طوابق فقط من مبناه الأساسي، كما تعثّر المركز في دفع رواتب العاملين، ولجأت إدارتُه إلى النشر لباحثين شباب من دون مقابل مالي. وحول هذا تقول أبو سويرح: “أصبح معدّل النشر سنوياً يقارب 24 كتاباً مع شهريّة ‘المستقبل العربي’، ودوريّات متخصّصة نصف سنوية، وفصلية واحدة باللغة الإنكليزية. وكان نشر الكتب قبل سنوات أكبر من هذا بكثير لتوافر الموارد المالية. أمّا الآن فمواردنا شبه منعدمة وأموالنا مُحتجَزة في المصارف اللبنانية، ونعتمد فقط على ريع المبيعات والتبرّعات الفردية غير المشروطة. كما كُنّا نعمل وفق برامج دراسات كلّ خمس سنوات يُقرّها مجلس الأمناء، لكنّ الأزمة الاقتصادية دفعتنا لأن نعمل يوماً بيوم. ومع هذا طوّرنا أغلفة كتبنا، وأصبحت لها هوية بصرية مميّزة، مع الالتزام بمحتوى رصين يهتمّ بالقضايا العربية والعصر، وهكذا تحسّن التوزيع نسبياً”.

بمراجعة عناوين كتب المركز، وفق قائمة منشوراته بين عامَي 2019 و2024، يتّضح أنّ هناك موضوعات جديدة تخاطب الشباب، وتعالج قضايا التكنولوجيا والذكاء الصناعي والطاقة، وإن ظلّت الغلَبة للسياسة والفكر القومي.

وتُشير أبو سويرح إلى أنّ المركز أطلق منذ ثلاثة أعوام وحدةً لتحليل القضايا الراهنة وتصدر عنها “تقديرات موقف”، ويُوزَّع إنتاجها على صُنّاع السياسات، وهي متاحة على موقع المركز الإلكتروني، مضيفةً: “وفي التوقيت نفسه، أطلقنا موقعاً رديفاً بالإنكليزية للتعريف بإصدارتنا عالمياً، وبدأنا نشر مطبوعات بهذه اللغة للمرّة الأولى اعتباراً من 2018، كما أصبح لدينا، منذ نحو ثلاثة أعوام أيضاً، منصّة تدريب رقمية على مهارات إعداد البحوث ومنهجياتها”.

طرأت على موقع “مركز دراسات الوحدة العربية” الإلكتروني تغييرات جعلته أكثر جاذبية، مع محاولة تجاوُز كونه مجرّد أداة تسويق للكتب والمجلّات الورقية فقط، حيث بات يُتيح للمتصفّحين مقالات وتحليلات تحت عناوين رئيسة: “طوفان الأقصى”، و”قراءة في حدث”، و”دراسات”، وإن ظلّ بعيداً عن التحديث السريع للمحتوى.

وترى أبو سويرح أنّ القضية الفلسطينية ظلّت في مقدّمة اهتمامات المركز، مع ثبات خطّه في مناهضة الصهيونية دون تغيير”، معتبرةً أنّه يتميّز باهتمام خاصّ بالتصدّي للتطبيع، ومن ثمّ لـ”الاتفاقيات الإبراهيمية”.

وبالعودة إلى قائمة منشوراته بين 2019 و2024، يتّضح أنّ “مركز دراسات الوحدة العربية” أصدر 18 عنواناً في القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، من إجمالي 130 كتاباً منذ 2019، وبعضها إعادةُ طباعة ونَشر، مثل ترجمة كتاب المُفكّر الأميركي اليهودي المناهض للصهيونية نورمان فنكلستاين “غزّة: بحثٌ في استشهادها”. كما أصدر المركز كتابين عن فلسطين خلال العام الماضي (من إجمالي 13 كتاباً في العام نفسه)، هُما: “مشاريع الطاقة الإسرائيلية في شرق المتوسّط وتحدّيات الأمن القومي العربي” لعبد الله المعلواني، و”دور عائلة روتشيلد في إنشاء دولة ‘إسرائيل'” لمعتمر أمين.

“مركز الزيتونة”.. مخاطبة
شرق آسيا باللغات المحلّية

حتى نهاية العام الماضي، أصدر مركز “الزيتونة” ذو التوجّه الإسلامي، 244 كتاباً خلال 20 عاماً، بالإضافة إلى الدراسات وأوراق السياسات والتقارير الاستراتيجية، وتنظيم الندوات وحلقات النقاش. وكلّها عن فلسطين وجوانب الصراع العربي- الصهيوني. وخلال 2024 تحديداً، نشر المركز 12 كتاباً مطبوعاً، منها: “التجربة الثقافية لحركة حماس في السجون الإسرائيلية” لمحمد ناجي صبحة، و”السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه دولة جنوب السودان” لمحمود عبده سالم.

ومن أبرز ما نشره المركز العام الماضي “التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2022 – 2023″، وينتظم إصدار هذا التقرير سنوياً منذ 2005، بمشاركة مجموعة من الباحثين، ويتناول الأوضاع الداخلية، والمؤشّرات السكّانية والاقتصادية، والأرض والمقدّسات، ويحلّل مسارات العدوان ومقاومته والتسوية السلمية، والمشهد الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية في أبعادها وتفاعلاتها عربياً وإسلامياً ودولياً، فضلاً عن انتظام المركز في نشر سلسلة “يوميّات فلسطينية” منذ 2014. أمّا باكورة كتبه لعام 2025 فيحمل عنوان “حماس: فصول لم تُكتب” للباحث عزام التميمي.

واللّافت أنّ “مركز الزيتونة” يُولي اهتماماً بنشر رسائل الماجستير والدكتوراه التي نُوقِشت حديثاً في جامعات الضفّة الغربية وغزّة، ومنها على سبيل المثال: “الكاهن الثائر منويل مسلّم: اسمعي يا فلسطين” (2024) للباحث محمد المصري، وهو رسالة ماجستير عن دور المسيحيّين في النضال الفلسطيني، نُوقشت في “الجامعة الإسلامية” بغزّة عام 2023.

ويبدو المركز أكثر طموحاً بنقل إسهامه في البحث والنشر عن القضية الفلسطينية إلى العالَم، وذلك من خلال ترجمة ما تيسّر من إنتاجه إلى الألمانية والفارسية والتركية والإسبانية والسويدية، إلى جانب الإنكليزية والفرنسية.

ويتحدّث مؤسّسه ومديره العام، الباحث محسن محمد صالح، إلى “العربي الجديد”، عن تعاون المركز مع مؤسّسات للترجمة في الهند وباكستان وكوريا الجنوبية، وطموحه في مخاطبة المسلمين وغيرهم في شرق آسيا بلغاتهم المحلّية كالأوردية.

وُلد محسن محمد صالح في بلدة عنبتا عام 1960، ونال الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر، قبل أن يعمل في “الجامعة الإسلامية العالمية” بماليزيا لنحو عشر سنوات، ثمّ يؤسّس المركز في بيروت. وتضمّ الهيئة الاستشارية لـ”مركز الزيتونة” عشرين شخصية ذات توجُّهات متباينة، ومن بلدان عربية مختلفة. ومن بين أعضاء الهيئة باحثون ومفكّرون بارزون مثل الراحل أنيس صايغ (1931 – 2009)، ومنير شفيق، وبيان نويهض الحوت، كما يُسهم في إنتاجات المركز باحثون آخرون من غير الإسلاميّين.

الانشغال بجماعة الإخوان
المسلمين وحدوده

يُلخّص محسن محمد صالح أولويات المؤسّسة، في حديثه إلى “العربي الجديد”، في “التفكير الاستراتيجي في الشأن الفلسطيني، وتوفير مادّة لصُنّاع القرار والإعلاميّين كي يُدافعوا عن القضيّة بشكل منهجي وعِلمي وبنّاء، فضلاً عن مخاطبة عموم القُرّاء”. وعند سؤاله عن تأثير انحيازات المركز الفكرية والسياسية على إنتاجه وطريقة عمله، يجيب: “نجمع بين الاستقلالية والموضوعية، ونلتزم بالمعايير البحثية العِلمية للدراسات العليا الأكاديمية، ونستوعب الخلافات والتنوّع. لكنّ هذا لا يعني أن المركز ليس له توجّهاته العامّة الوطنية والإسلامية والعربية، ويناهض التطبيع. أولويّاتنا التفاعُل مع الواقع والتفكير في المستقبل مع الحفاظ على التراث الفلسطيني”.

وبشأن اهتمام “مركز الزيتونة” بالنشر عن جماعة الإخوان المسلمين، يقول صالح: “نشرنا عن جماعة الإخوان المسلمين عدداً من الدراسات، ومن بين 240 كتاباً هناك ثلاثة فقط، منها واحد من تأليفي عن تاريخ الجماعة في فلسطين، وهو لا يخلو من نقد. وإجمالاً ما نشرناه هو بمثابة دراسات علمية محترفة. والمؤسف أنّ الحملات غير الموضوعية من أنظمة عربية ضدّ الإخوان المسلمين تعوق تقبُّل هذه الدراسات، وتدفع لاتخاذ مواقف مُسبقة منها، وتكتفي بقراءة العناوين. ويظلّ المطلوب هو دراسة الإخوان المسلمين كغيرهم بشكل موضوعي، وتبيُّن ما هو حسَنٌ وغير حسن، خدمة لقضية فلسطين”.

ويضيف: “لا يُمكن إنكار كون التيّار الإسلامي المُعتدل فاعلاً في قضية فلسطين وداعماً لها، وهو الآن، كما يتمثّل في حركتي ‘حماس’ و’الجهاد الإسلامي’، الأكثر شعبية وفعالية على الأرض في الداخل، ويحظى باحترام كبير. والمركز قام بتنظيم ندوات تحت عنوان الوحدة الوطنية الفلسطينية، استضاف خلالها مختلف الفصائل والاتجاهات”.

ويُشير صالح، في حديثه إلى “العربي الجديد”، إلى أنّ “مركز الزيتونة” يعمل منذ إنشائه وفق خُطط خَمسيّة وسنوية، تعتمدها وتسهر على تنفيذها لجنة متابعة يرأسها المدير العامّ. يقول: “نحن، كغيرنا من المراكز البحثية المستقلّة، تحت مظلّة القانون اللبناني، نُرحّب بتلقِّي الدعم المالي، على ألّا يكون مشروطاً بتدخُّل في سياسات أو قرارات المركز، أو التأثير على جودة إنتاجه عِلميّاً، وبالطبع ألّا يحرفنا عن أهدافنا في سبيل تحرير فلسطين، أو يؤثّر على موقفنا الرافض للتطبيع”.

ويُحاول “مركز الزيتونة” حلَّ مشكلة ارتفاع تكاليف الطباعة والنشر والتوزيع من خلال موقع إلكتروني بالعربية والإنكليزية دائم التحديث، لكي يواكب تلاحق أحداث فلسطين والصراع العربي- الصهيوني، بخاصّة بعد عملية “طوفان الأقصى”. وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أصدر 15 دراسة ورقة بحثيّة عن العملية وتداعياتها.

فرع “المركز العربي”.. 55 كتاباً
عن فلسطين منذ 2017

تُظهر قائمة إصدارات فرع “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في بيروت، بين آذار/ مارس 2017 وأيّار/ مايو 2024، نشرَه 55 كتاباً تتعلّق بفلسطين. وتشمل 13 كتاباً من سلسلة “تُرجمان”، وعدداً مماثلاً من مذكّرات وسِيَر شخصيات فلسطينية ضمن سلسلة “ذاكرة فلسطين”، التي يُشرف عليها فرع المركز في عمّان، وينشرُها فرعُ بيروت، وبلغت إصداراتُها 23 كتاباً من إجمالي 216 كتاباً، هي حصيلة نشر قسم الإصدارات في بيروت منذ تأسيسه عام 2012.

وخلال عام 2024 وحده، أصدر فرع “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في بيروت عشرة كتب عن فلسطين والصراع العربي الصهيوني من أصل 75 كتاباً، منها: “قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة” و”الطوفان: الحرب على فلسطين في غزّة”، وكلاهما للمُفكّر العربي عزمي بشارة، والأوّل مترجَمٌ عن النصّ الأصلي المنشور بالإنكليزية، و”ديار بئر السبع جنوب فلسطين العثماني: الأرض والمجتمع والدولة” لأحمد أمارة، و”فولكلور السامر في فلسطين: مرفقاً بالدحية والدحاريج، بركوسيا والفالوجة نموذجاً” لمحمد أحمد مصلح، والصادر ضمن سلسلة “أطروحات الدكتوراه”.
بين عناوين كتب 2024، أيضاً، ثلاثة في سلسلة “تُرجمان”: “لا سلام لفلسطين: الحرب الطويلة ضدّ غزّة” لهِلغى باومغرتن، و”إسرائيل التكوين: ترومان، واليهود الأميركيون، وأصول الصراع العربي- الإسرائيلي” لجون ب. جوديس، و”من النهر إلى البحر: فلسطين وإسرائيل في ظلّ ‘السلام'” بتحرير ماندي تيرنر.

وضمن كتُب سِيَر الشخصيات، أصدر فرع “المركز العربي” في بيروت كتاب “كمال عدوان: رجلٌ في ثورة.. وثورة في رجُل” لأحمد عزم. أمّا كتاب “البدايات والرفاق والمصائر: حوار مع جورج حبش”، فصدر ضمن سلسلة “ذاكرة فلسطين”، ويتضمّن حوارات أجراها شريف الحسيني وسائدة الأسمر عام 1989، ولم يُتح لها أن ترى النور. وقدّم للكتاب الباحث والكاتب الصحافي الفلسطيني المُقيم بلبنان صخر أبو فخر، والذي أشار في مقدّمته إلى أنّه احتفظ بالحوارات منذ وصلت إليه في عام 2007، حين كان سكرتير تحرير مجلّة “الدراسات الفلسطينية”، لكنّ مُشكلات في التواصل مع المحاورَين، ثمّ رحيلهما، تسبَّبت في تأخير النشر بعد تحرير الحوارات.

ويتولّى الباحث والمؤرّخ اللبناني المعروف، خالد زيادة، مسؤولية إدارة فرع بيروت. وبصفة عامّة، يقوم اختيار الأبحاث والكتب للنشر على لجنة تحكيم تفحصها وتُقيّمها، وتضع تقريراً عن كلّ منها. ويُعدّ فرعُ بيروت بمثابة الناشر الرئيس لإنتاج فرع المركز في عمّان الذي يختصّ بالقضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي، فضلاً عن العديد من إصدارات المقرّ الرئيسي للمركز في الدوحة.

ومنذ عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، أصدر “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” العديد من الكتب في القضية الفلسطينية، حيث تصادف أن يتمّ نشر الترجمة العربية لموسوعة “العمل والعادات والتقاليد في فلسطين” للمُستعرب الألماني وعالم اللاهوت والآثار واللغات القديمة غوستاف دالمان، المُكوَّنة من عشرة مجلّدات، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أي بعد نحو شهر واحد من بدء الإبادة الصهيونية في غزّة، وبعد جهد استمرّ نحو خمس سنوات.

ويعتمد القائمون على المركز، من أجل الوصول إلى جمهور أكبر، على موقع إلكتروني متطوّر، وتوظيف صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، كي يُروِّج لكتبه ودوريّاته، فضلاً عن تحديثها بما يُواكب التطوّرات الجارية، وبما يتعلّق بفلسطين والصراع العربي- الصهيوني، تحت عناوين من بينها: “تقدير موقف”، و”تقييم حالة”، و”ملفّات”، و”مقالات”، و”تقارير”، إضافةً إلى الفعاليات والمحاضرات والمؤتمرات والندوات، حيث يجري بعضها في مقرّه ببيروت، أو عبر منصّاته الإلكترونية.

ولعلّ “المنتدى السنوي لفلسطين”، الذي أُقيمت دورتُه الثالثة في الدوحة قبل أيام، بالشراكة بين “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” و”مؤسّسة الدراسات الفلسطينية”، ما يُدلّل على آفاق التعاون بين المؤسّسات البحثية المعنيّة بالصراع العربي الصهيوني.

* كاتب وصحافي مصري

آداب وفنون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق