لا تدمروا أوطانكم نتيجة صراعاتكم القبلية الطائفية , والعرب لم يتعظوا من الحروب الطائفية التي حصلت في الماضي ولا زالت تحدث حتى اليوم , والعرب لم يرتقوا الى مستوى الوعي الذي يخلصهم من الطائفية التي دمرت أوطانهم وشردت شعوبهم واعادتهم الى الوراء مئات السنين وزادت نسبة الامية بينهم نتيجة الشتات وتدمير المدارس والقضاء على الطفولة المبكرة لاجيالهم .
ايها العرب في كل مكان , فالامة التي تكثر بها المذاهب والاحزاب والملل والأعراق يكون انتماء وولاء الفرد فيها الى ملته وليس لوطنه , ويصعب توحيدها ويسهل تفسيخها وتكون مخترقة ومعرضة للفتن والصراعات ما لم يربى ابنائها على الوطنية وصهر كل مكوناتها في بوتقة الوطنية والمواطنة الواحدة الصالحة .
ان مبنى المجتمعات العربية من المحيط الى الخليج مبنى قبلي وطائفي , مكون من اعراق وقوميات كثيرة , وكذلك المجتمع الفلسطيني , وهذا المبنى يصعب جدا تفكيكه , أو تغييره , وهذا أثر كثيرا على تربيه الفرد الذي يعيش في أجواء هذه المجتمعات والتي اساسها الانتماء الى القبيلة أو الطائفة , فيصعب على الفرد التحرر من هذه التربيه والأفكار والقيود , لان هذه الكيانات التقليديه هي الحاضنه والحامية له من الاخطار والداعمة له من ناحية اقتصاديه , ومن هنا نرى ان ولاء الفرد الى القبيلة أو الطائفة اكثر بكثير من ولائه الى الوطن , والصراعات والحروب الاهلية في الوطن العربي أثبتت هذا الواقع , فالدول التي تدور بها الحروب الاهلية تفككت الى قبائل وطوائف ويصعب بناء هذه الدول من جديد كدول حضاريه مبنية على مؤسسات مدنيه وقوانين وضعيه , وللأسف الانظمة العشائرية والعائلية التي حكمت وتحكم الوطن العربي لم تعمل خلال حكمها على صهر هذه القوميات والأعراق في المواطنه الصالحه , بل غذت هذه النعرات , وبالاضافه الى ذلك وبالرغم من وجود مئات الالاف من المساجد ورجال الدين , والازهر , لم يستطع الدين الاسلامي الذي حارب القوميه والتعصب القبلي من التأثير وتغير الوضع في المجتمعات العربية والاسلامية وتخليصها من رواسب القبلية والطائفية والمذهبية الجاهليه , بل اليوم وضع العرب اصعب بكثير مما كانوا عليه في العصر الجاهلي , ومن هنا يسهل على اصحاب النوايا الخبيثة والقوى المعاديه للعرب اثارة الفتن والقلاقل والنزاعات بين مكونات الشعوب العربية , وهذا ما حصل ويحصل لهذه المجتمعات من انهيار وانتحار نتيجة الحروب الطائقية الاهلية .
المبنى القبلي وكثرة القوميات والأعراق والمذاهب والطوائف يجعل من المستحيل توحيد الأمة العربية في هذه الظروف , إلا في حالة واحده وهي , خروج قائد كالحجاج ابن يوسف الثقفي للسيطرة على هذا الانفلات الموجود لرأب الصدع وتوحيد ألامه .
الامن والسلم الأهلي والاستقرار السياسي يعتمد كله على مدى تماسك الشعب وصلابة بنيانه ومدى متانة مكونات نسيجه الاجتماعي وانسجامه مع ذاته ومن خلوه من أمراض العصر والتقطب الطائفي وخلافاته المذهبية والطائفية والقبلية وذلك من خلال تطبيق القانون والمساواة والإخاء والمحبة بين أبناء الوطن الواحد .
فعندما يشعر المواطن أن له حقوق من الوطن وفي نفس الوقت عليه واجبات تجاهه وأن الحقوق هي حق فطري مكتسب للمواطن الذي اشتق الوطن من اسمه . لهذا فالمواطنة أصل راسخ في بنيان الدولة وليس حالة ثانوية لهذا فإن الدولة الديمقراطية ومستلزماتها وتوابعها من (انتخابات –تعددية سياسية – ومجتمع مدني – وحريات عامة – وقبول الآخر – وحكم الأغلبية دون تهميش للأقلية – والتداول السلمي للسلطة – والمواطنة -) تضع المواطنة حجر الأساس ساسيا و ثابتا لا يمكن أن يكتمل البناء الديمقراطي بدونها .
لهذا على القيادات الحكيمة تعزيز اللحمة الوطنية والتعامل مع جميع المواطنين في الدولة على اساس انهم جميعا ابناء الوطن وأن المواطنة هي الأرضية الصلبة التي تجسد الوحدة الوطنية بأبهى صورها وهي السلاح الذاتي الذي ستتكسر عليه كل التحديات العصرية من قبلية وطائفية . فالمواطنة تجمع ولا تفرق وتوحِّد ولا تبدد، وتضيء الدروب بأضواء ساطعه وهي أولا و أخيرا، أكثر التصاقا و اتساقا بقضايا الوطن وهمومه، وهي مبعث الأمن والاستقرار والطمأنينة للجميع، وعلى الجميع أفرادا ومؤسسات ودولة أن يغرسوا في النشء ثقافة المواطنة بكل معانيها المعرفية والقيمية والسلوكية، فهي الطريق الضامن والآمن ومستقبل الأوطان والأجيال ,
الدكتور صالح نجيدات