مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية امرأة في الدولاب من روايات الرّعب والتشويق المرأة ترحل بالطفل ( الحلقة 3 والأخيرة )

عندما وصلت حنان إلى دار الشيخ تعجّبت منها فقد كانت ترسم في مخيّلتها شيئا آخر مخيفا ومفزعا،، ولكنّها وجدتها دارا على أحدث طراز، وبعد الكثير من التحديق في الطفل سأل العراف المرأة سؤالا واحدا: “هل إحتفظت بقطع أثاث على ملك صاحب الشقة القديم ؟ فتحت المرأة فمها من الدهشة ،وردت نعم، وهي تظهر قرب دولاب غرفة نومها !!! هل ذلك يفسّر ما يحدث لنا ؟ قال العراف : إذا كانت الرّوح معذّبة فإنها تبقى في المكان الذي ماتت فيه ،وتعتبر أن كل ما فيه ملكا لها ،لقد ماتت تلك   المرأة وهي حامل في شهورها الأولى وهي تعرّضت للإغتصاب من أحد أفراد عائلتها منذ أن كانت صغيرة، وصارت تختفي في الدولاب حتى بعد أن كبرت لأنها هناك تحس بالأمان وحيث لا يجدها ذلك الشخص البغيض .
صمت العراف برهة ثم قال : ولما سمعت بكاء ممدوح ،خرجت وهي تظن أنه إبنها وقد  ماتت بالسّل وهي حامل به لكنهما كانا من عالمين مختلفين ،يريان بعضهما لكن لا يمكن لأحد منهما لمس الآخر ،لكن لمّا إقترب إبنك من الموت ثمّ أفاق من غيبوبته إنفتح أمامه الممرّ الذي يؤدي  للعالم الآخر والأرواح تعتبره منها لذلك فهي تكلّمه ،وهو يسمعها ،ويناديها وذلك ما يفسّر سلوكه الغريب ،سألت الأم بلهفة هل هناك شيئ أقدر أن أفعله، وأبعد تلك المرأة عنه؟ أجاب :الحل أن تتركوا الشّقة وما فيها لا يجب أن تحسّ الرّوح أنكم غادرتم المكان ،وإلا فقد يلحق الطّفل مكروه .
حينما غادرت حنان منزل الشيخ كانت تشعر بالحيرة ،فكيف ستترك شقتها التي دفعت فيها كل ما تملك ؟ وأين ستذهب مع زوجها ،مستحيل أن تفكّر في الرّجوع إلى دار أهله فهم يكرهونها لأنها ليست من عائلتهم .قرّرت الأمّ أن تخفي ما سمعته عن زوجها إبراهيم ،فهي تعرف أنّه سيشجعها على الرّجوع للغرفة التي كانا يعيشان فيها ،وقرّرت أن تحيا مع صغيرها حياة طبيعية، وعادت للطبيب مجدّدا ليتابع حالة ممدوح ،وأقنعت نفسها أنه لا يوجد ما يستوجب القلق فالمرأة حبيسة الدولاب ، وهي على هذه الحال منذ سنوات طويلة ،لذلك فلن يحصل شيئ ،فقط عليها أن تتعوّد على هذه الحياة ،وتكثر من الاهتمام بممدوح ،لكن كل ذلك لم يبعد عن نفسها إحساسا مبهما أن شيئا ما سيحدث ،فالطفل صار غريب الأطوار،ويحكي لها أنه يرى أشخاصا في الليل ومن بينهم واحد قال له أنه حسنين الدامردش ،وهو أشيب الشعر فارع الطول ،وشهقت حنان فذلك الرجل أبوها وقد مات منذ عشرة سنوات وقبل زواجها من إبراهيم ،فكيف عرفه ممدوح ولم يره في حياته ،وكان ذلك يزيد في توتّرها .
وبالفعل في ليلة من الليالي بينما كانت نائمة بجوار ابنها في غرفتها وزوجها غائب، إذا بها تشعر بأيدي صغيرة توقظها، فتحت عينيها لتجده بابتسامة لطيفة على وجه ممدوح يودعها، فسألته: “أين تريد أن تذهب يا حبيبي؟!”، فأخبرها بأنه سيذهب مع أمه الجديدة، وأنه لم يعد خائفا منها بعد الآن فهي تحبه ولن تؤذيه ،وبإمكانها العيش بسلام بعد أن يأتي معها . لم تستطع الأم التقاط أنفاسها حيث أن ابنها أشار للمرأة المخيفة، وللمرة الأولى رأتها الأم أمام عينيها بوضوح مثلما يراها ابنها،، فمدت السيدة يدها للطفل فذهب إليها، حاولت حنان أن تنهض من سريرها ،وهي مذعورة لكن جسدها لم يتحرك ،وانحبست صرخة قوية في حلقها ،وبقيت تنظر بدهشة إلى المرأة وإبنها يغادران الغرفة .
وقبل أن يصل ممدوح إلى الباب،إلتفت إلى أمه ،وقال: لا تقلقي سأكون بخير،ولما خرجا جرت ورائهما لكنها لم تجد أحدا أمامها كلّ شيئ كان هادئا لكنها فجأة أحست بهبوب ريح خفيفة في الشقة ومعها عطر ياسمين وعرفته حنان فلقد كان العطر الذي تستعمله صاحبه الدار، وقد أخفته في صندوق مع حاجياتها .وبالطبع لم يصدّقها زوجها إبراهيم ،واتّهمها بالتقصير،وأنها سبب ضياع ممدوح، ومنذ تلك اللحظة وهي تبحث عنه، ولم تترك عرّافا أو مشعوذا إلا ذهبت إليه، ، وكلّ ما تريد أن تعلمه أي معلومة مهما كانت صغيرة عن ابنها، هل هو سعيد أم حزين؟! على قيد الحياة أم فارقها مع المرأة الغريبة؟ وهي ترغب أن يعود إليها من جديد ،ولا شيئا آخر.ولكن دون جدوى،فلم يسمع أحد عنه بعد ذلك .
وبعد سنة حملت حنان من جديد وولدت صبيا كالقمر ،أجمل من كل أولاد الزقاق ،ولما أصبح يتكلم أتى إلى أمّه يوما، وقال لها :هناك امرأة تسلم عليك وتقول لك ممدوح بخير ،وتشكرك لأنك تركتها ترحل بسلام ،فلم تكن حياتها سهلة ،وموتها كان مروّعا ،وأسفل الدولاب هناك صندوق صغير مخفي بعناية هو لها ،ولمّا فتحته حنان شهقت فلقد كانت هناك صورة أبيض وأسود للمرأة وهي تبتسم ،ومجموعة من الحلي الذهبية تلمع أمامها ،وقالت في نفسها ربما الآن يصدقني إبراهيم بعد كل هذه السنوات ..

مع تحيات

نادر حميدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق