مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية حورية و إبن السلطان من الفولكلور السوري زواج الأمير وفتاة الغابة (حلقة 3 )
احمد حمدي / من حكايات زمان
فلما رآها قدامه ، نزل من حصانه ،وعانقها بحب ّ،أحست حورية بلهفته عليها ،وهي أيضا تحبّه ،لكن كانت خائفة ،ثم قال لها :سنتزوج ،ونرحل من هنا إلى مكان آمن ،فأبي ورائك أنت والعجوز، وقد يأتي في أي لحظة مع خيله وكلابه، ويقلبون الغابة ،هيا ليس لنا وقت !!! لكنّه ما كاد يتم كلامه حتى سمع صوت الأبواق، وبدأت الكلاب تجري ناحيته ،فهي تعرف رائحته ،ولم تمرّ سوى برهة حتى أحاطت به، وهي تنبح بشدة ،ثم إقترب أبوه في موكبه ،وقال لحورية : أنت السّاحرة، إذن وكنت أظنّ أنّك عجوز !!! ثم خاطب إبنه : تعال معي يا بني ّسنرجع للقصر، أمّا تلك الفتاة، سنقتلها بتهمة السّحر والشعوذة ،لكن الأمير سحب سيفه ،وقال : والله لن تنالوا منها شعرة واحدة ،وسنموت معا أو نحيا معا !!! ردّ السلطان : هل تتحدى أباك من أجل فتاة ؟وحين رأى الوزير إصراره ،قال : زوّجه منها يا مولاي، فهي جميلة !!! ثم لا تنس أنه لولاها لمات إبنك من جروحه ،نظر إليها أبوه ،ثم حكّ ذقنه ،وقال : لا بأس يا عماد الدين، طب نفسا ،سأزوّجك من حبيبتك ،وأنا أشهد بذلك أمام الحاضرين ،فأركب الأمير الفتاة وراءه ،ورجع للقصر والدنيا لا تسعه من الفرحة ،ولمّا سمعت أمّه غضبت من إبنها ،وقالت: الويل له ،كيف يترك ذلك الأحمق بنات السّلاطين لأجل ساحرة ؟
حين دخلت غرفته لتوبّخه رأت الفتاة جالسة تمشط شعرها، فتعجّبت من جمالها وعينيها الواسعتين بلون الليل ،فهدأ غضبها ،وحكت لها حورية قصتها فقالت الملكة :سأتدبر الأمر، وأزعم أمام الحضور أنك إبنة أحد سلاطين البلدان البعيدة قالت لها حورية قولي أني من الترك، فأبواي كانا يتكلمان هذا اللسان وأنا أفهم شيئا منه .ونادى المنادي في الأسواق أنه بعد سبعة أيام زواج الأميرة حورية إبنة خاقان الترك، والأمير عماد الدين ،وفي ليلة الزّواج، حضر المدعوون من الأشراف والأمراء ،وكان الجميع يتساءل عن العروس ، وكيف شكلها ،ولمّا دخل الأمير وهو يمسك بيدها تعجّبوا من تلك الفتاة فقد كانت جميلة، ناهدة الصّدر ،ممشوقة القدّ ساجية اللّحظ ،عليها عطر زنابق البراري ، فصمت الناس ،أمّا عيونهم فظلت ترمقها ،ونسوا أصلها وفصلها ،واقتصر الهمس على جمال تلك الفتاة ،وما ترتديه من حرير وجواهر .
تسللت السّاحرة العجوز إلى القصر ،ووقفت بين المدعويّن في أحلى زينتها ،وقالت في نفسها: لقد زادت المراهم السّحرية ، في حسن حورية، أمّا أنا فلقد جعلتني أبدو أصغر سنّا على الأقل بعشرين سنة ،ولربّما طمع أحدهم في الزّواج منّي !!! وكانت أم عماد الدين رائقة النفس ،فلقد كان إبنها الوحيد سعيدا بفتاته لا تكاد عينيه تفارقان وجهها ،ثم أقيمت الولائم ،وأكل الضّيوف وانبسطوا ونصب الخدم الموائد في الشّوارع والسّاحات ،فجاءت العامّة وأكل الكبير والصغير ،ولم يبق أحد في المملكة لم يشبع من اللحم والشّحم حتى الكلاب والقطط أكلت وجلست تمسح شفاهها ،وفرح كلّ الشّعب لزواج الأمير فلقد كان محبوبا يطعم الفقير ،ويغيث الملهوف ،وذلك لا يعجب أبوه الذي يقول له إبتعد عن العامة وإلا قلّت هيبتك بينهم .
يوم الجمعة نزل الأمير وحورية ،و معهم العبيد بعربات الطعام وتصدقا عل الزوايا والمساجد ،لكن في ذلك الوقت كان أخوها وزوجته واقفين في أحد الدّكاكين يشتريان ملابس للطفل الثّاني ،وحانت من المرأة إلتفاتة إلى موكب الأمير الذي كان مارّا بقربها، ولما رأت حورية شهقت، وقالت لزوجها: أليست تلك الفتاة التي مع عماد الدين أختك ؟ فنظر إليها ،وأجابها : هي ذاتها !!! إني أعرفها رغم كونها تغيّرت كثيرا ،إذن الأميرة التركيّة التي تحدث عنها الناس ما هي إلا حورية أختي !!! ثم قال في نفسه: وماذا لو تأتي وتطالبه بمالها الذي عنده؟ لقد مضت سنوات وهو يضعه في جيبه ،إنه ليس مستعدّا أن يدفع لها درهما ،فالتفت لامرأته ،وقال: لا بدّ أن نفسد زواجها، ونزرع الشّك في نفوس الأعيان والأشراف ،ردّت عليه وما الذي تنوي فعله يا رجل ؟ قال: سأنشر في الناس أنّها بدوية ،وليست من أميرات الترك ،ولمّا يسألونها يكتشفون كذبها ،ولو زعمت أني أخوها ،فسأنكر ،ولن يصدّقها أحد بعد أن اشتهرت بالكذب ،وكلّ ما في الدّار يصير من نصيبي وحدي !!! قالت له زوجته: بل نصيبنا الإثنين ،لا تنسى ذلك …
…
يتبع الحلقة 4