مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية حورية و إبن السّلطان من الفولكلور السوري حبّ غير متوقّع في الغابة (حلقة 2 )

بقلم : احمد حمدي / حكايات زمان

لكن حورية لم تسمع الكلام ،وخرجت لجمع الحشائش التي تقطّرها ،وتصنع منها العقاقير، وصارت تتجوّل ،وترمي ما تجده في سلة من السّعف ،وفجأة سمعت صوت زئير، وشخص يصيح ،فجرت لمصدر الصوت ،ورأت فتى ملقى على الأرض، ولبؤة جاثمة على صدره، تحاول إمساكه من رقبته ،ودون أن تفكر البنت أمسكت غصنا كبيرا ،وضربتها به على رأسها ،فهاجت اللبؤة ، واستدارت ناحيتها ،فهربت حورية وهي ورائها، ولما كادت يلحقها ،سمعت الفتاة أزيز سهم في الهواء ، تبعه صوت التطام بالأرض، ولمّا التفتت الفتاة خلفها، رأت اللبؤة تسقط، وتتدحرج حتى صدمتها ،وسقطت فوقها ،فجاء ذلك الفتى، ثم انحنى عليها، وقال لها : هل أنت بخير ؟ أجابته: لن تغلبني لبؤة !!! ثم وقفت ،وهي تمسح التّراب عن وجهها ،ولمّا رفعت حورية رأسها إلى ذلك الشخص الواقف قدامها رأت أنّه يحمل زيّ الصّيادين، وقد غطّت جسمه الجراح ،والدم ينزف منه ،قالت له إن لم أعالجك ستموت ،ثم مزّقت ثوبها ، حتى بان جسدها ،وربطت جروحه ،ثمّ قالت له: إستند على كتفي، وتعال معي للكوخ ،كان الفتى رغم حاله ينظر إلى طرف صدرها العاري ،وقد أعجبته نعومة جسدها الدافئ ،فرمقته بحدّة ،قالت :لا تنظر إليّ، وإلا تركتك طعاما للسّباع !!! ولم يتمالك الفتى أن ضحك منها ،ولأوّل مرّة لاحظت الفتاة أنّه وسيم، وأشقر اللون ،لكن إحساسها كان قد مات بعد الأشهر الطويلة التي أمضتها في الغابة ،وصارت لا تخاف من شيئ لا من السّباع ولا الأفاعي السّامة.
ولما وصلت إلى الكوخ ،لم يعد الفتى يدرك ما حوله لكثرة الدم الذي نزف منه ،فقالت العجوز: هات مرهم الصّنوبر سنطهّر الجروح، ثمّ نخيطها بإبرة .وبعد ساعة كان الفتى نائما ،وجسده يرتعد، قالت العجوز لحورية :إلتصقي به ليحسّ بالدفيء، فضمّته الفتاة إليها ،وأخذت تنظر إلى وجهه الشّاحب، فلم تخرج في حياتها مع شابّ أو حتى جلست معه ،وها هي الآن مع شخص لا تعرفه . بعد ثلاثة أيّام بدأ الفتى يتحرّك وفتح عينيه فوجد حورية بجانبه ،فقال لها : في حلمي كنت أراك ،وألمس جسدك ،وكنت أتمنّى أن يدوم ذلك الحلم الجميل!!! فقالت له : لقد تحسّنت أحوالك وسأعطيك صرّة فيها زادا، وتنصرف في سبيلك. سألها كيف يمكنني أن أجازيك ؟ أجابته: بأن تبتعد من هنا بأقصى سرعة ،وتنسى أنّك رأيتني، هل فهمت ؟ ثم قادته إلى المكان الذي وجدته فيه،و إختفت بسرعة بين الأشجار .فبقي الفتى ينادي عليها بلهفة، ويقول لها أنه يحبها ،وحين سمعته حورية ،قالت في نفسها : حتى صديقتي التي اخترتها لأخي كانت تقول ذلك قبل أن تغدر بي ،وأخي ،إبن أبي وأمّي ،فعل نفس الشيئ، فكيف يمكنني أن أثق بأحد أو أصدّقه بعد الآن ؟
كان ذلك الفتى الأمير عماد الدين إبن سلطان دمشق ،ولقد جزع عليه أبوه، وأرسل الجند للتّفتيش عنه، ولما رأوه قادما من بعيد ،فرحوا به، لكنهم استغربوا من الرّداء الذي يلبسه، فقد كان لأنثى . وفي القصر لما رآه الطبيب إستغرب ،وقال :من عالجك بارع في صنعته، ولولاه لهلكت ،وأكاد أجزم أنه ساحر، ونحن لا نستعمل وسائلهم ، وبعد أسبوع تعافى الأمير ولما سمع أبوه الحكاية، قال له : لقد هربت أحد الساحرات إلى الغابة ، وهي من عالجك فدلنا على مكانها ،فتألم الأمير وقال هل هذا جزائها يا أبي ؟ أجاب السلطان ّكان بإمكانها أن تقتلك هل تفهم هذا ؟ اغتمّ الأمير ،فهذا يعني أن أباه لن يسمح له بالزواج من تلك الفتاة ،وربما هي الآن في خطر بسببه . لاحظت الملكة حزن إبنها ،وحاولت مرات عديدة أن تعرف منه السّبب ،ولكنها حين رأت رداء حورية المطرّز تحت مخدته ،عرفت أنّ ابنها عاشق ،وكلّما كلّمته عن واحدة من بنات السلاطين أشاح بوجهه عنها، و زاد في عزلته . في أحد الليالي لم يعد يطيق عماد الدين صبرا على حورية ، بعد أن نام كل من في القصر خرج من أحد السّراديب، وركب فرسه ، وقصد الغابة ،فإمّا أن يجد تلك الفتاة أو يموت ،فهو لم يعد يحلم إلا بها ،وضلّ الأمير يهيم على وجهه في الغابة المظلمة ،حتى طلع الصّباح ،ثم بدأ ينشد بصوت حزين :
جئت لكي أراك
أنا أحبك يا حورية
إن لم تظهري سأموت
لا أرغب في سواك
لا أريد ذهبا ولا قصورا
يكفيني من الدنيا هواك
كانت الفتاة مختبئة وتطل عليه ،ثم تردّدت قليلا ،وخرجت له من بين الأشجار، وقالت له : ويحك ،ما الذي جاء بك إلى هنا ؟

يتبع الحلقة 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق