فلسطين تراث وحضارهمكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية حورية و إبن السلطان من الفولكلور السوري في كوخ السّاحرة العجوز (حلقة 1 )

بقلم: احمد حمدي من حكايات زمان

يحكى في قديم الزّمان عن فتاة اسمها حورية، تعيش مع أخيها الأصغر في دار جميلة ،تركها أبواهما قبل وفاتهما منذ سنة، والحياة في تلك القرية البعيدة هادئة ، لا ينغّصها شيء، ،وكانت البنت ترعى مع أخيها قطيعا كبيرا من الأغنام،وكلّما تخرج معه للجبل، تلحّ عليه كي يتزوّج، لكنّه كان يخشى أن لا تتّفق زوجته مع أخته.تحت سقف واحد، إلا أنّ أخته ألحّت عليه، فالزّواج سيخرجه من الحزن الذي هو فيه ، فخطبت له فتاة تعرفها ،وقالت له :سنكون عائلة واحدة ،فلم يجد بدّا من الموافقة ،ولم يكن ينقصه المال الذي يربحه من بيع الخرفان في السوق أسفل الجبل ،وكل شيئ يقتسمه مع أخته ،لكن أموالها يخفيها عنده ،وهي لا تسأله عن شيئ فلقد كانت تحبه، وتثق فيه ولم يعد لها في الدنيا غيره .
وحين تم الزّواج فرحت حورية كثيرا، فمنذ مدة طويلة لم يأت أحد عندهم ،وبقيت حاجيات أبويهما في مكانها ، وحان الوقت ليتصدقوا بها ويفتحوا تلك الغرفة ليتزوج فيها أخوها وكانت حورية تساعد زوجة أخيها، في شؤون البيت، وتسعى أن تحس بالراحة، وتقوم بكثير من الأعباء بدلاً منها، حرصاً على إرضائها ،وأصبحت تتسلى بوجود تلك الفتاة التي في مثل عمر أخيها ،وتتحدث معها ،ويخرجان معا إلى السوق ،ويطبخان معا
تواصلت تلك الحال إلى أن حملت زوجة الأخ، وأنجبت ولداً، فرح به الجميع، وملأ الدار سعادة،. ولعل الأخت كانت أكثر فرحاً به، إذ وجدت فيه ما يعوّضها على فقدان أبويها ، فأخذت ترعى الولد ،لكن زوجة الأخ لم تعد تطيق رؤية حورية أمامها ،وتريد أخذ غرفتها لتضع فيه فراشا للولد ،ولمن سيأتي بعده من صغارها ،فلقد أعجبتها الحياة هناك ،والرّجل لا يترك شيئا من مأكل أو ملبس إلا أتاها به .
وجعلت تفكّر بالتخلّص من تلك الفتاة بأي طريقة، وما كان منها إلا عمدت في إحدى الليالي إلى ولدها، فضربته بشّدة، ثم جلست بجانب زوجها كأن شيئا لم يحدث، وطلبت من حورية أن تحضره لها، لكي تقوم بإرضاعه، ولمّا رأى أخوها الكدمات الزرقاء تملأ جسده الصغير، صاح: لماذا تفعلين ذلك يا لئيمة ؟ هل تريدين قتله لأنه لا أبناء لديك ؟ أما زوجته :فقالت إن لم تطرد أختك من هنا، سأجمع حاجياتي، وأرحل !!! فأمسك بها أخوها من شعرها ،وهي تصرخ،حتى سقطت على الأرض ،ثمّ رفسها بقدميه، ورماها في الخارج ممزّقة الثياب دون مال أو طعام
تحاملت الفتاة على نفسها، ومشت في ذلك الليل دون هدى، وقلبها يعتصر من الألم ،فلقد غدرتها أفضل صديقتها رغم كل ما فعلته معها ،وكانت تنهك جسدها النحيل لترضيها في حين ترتاح هي وتشبع من الطعام ،وبينما تمشي خرجت لها أفعى لدغتها في ساقها ،فبدأت تجري ،حتى وقعت على الأرض وأحسّت بالدّنيا تدور بها ،ثمّ أغمي عليها .ولما فتحت عينيها ،وجدت نفسها نائمة في فراش دافئ ،وقد ضمّد أحدهم جراحها ،وألبسها عباءة نظيفة،وفجأة دخلت عليها امرأة مسنّة ،وقالت لها : لا خوف عليك، تناولي هذا الحساء لقد صنعته لك من الفطر وحشائش الغابة !!! كانت حورية جائعة، فأكلت الصّحفة ،وشكرت العجوز،فقالت لها: أنا ساحرة ،ولولا دوائي لمتّ من سم الأفعى،و منذ مدّة طويلة أعيش بمفردي بعد أن وشى الناس بي للسلطان ،وأنت ما هي قصتك؟ وماذا تفعلين وحدك في هذه الغابة الموحشة ؟فحكت لها حورية ما حصل مع زوجة أخيها ،وكيف إحتالت عليها لتتخلص منها وتطردها من دار أبويها، أما أخوها فلم يراع فيها حرمة الله ،وضربها حتى كاد يقتلها ،ورماها في ذلك الليل كالكلاب !!! قالت لها العجوز :إبقي معي وسأعلمك السّحر، فلقد يفيدك يوما ،و مضت الأيّام، وشفيت حورية من جراحها، وتعوّدت على الحياة في الغابة، وعلمتها العجوز سر الأعشاب والنّبات ،وكان من عادة إبن السّلطان الخروج للصّيد في تلك الغابة مع الحاشية ،ولذلك أوصت الساحرة حورية بعدم الإبتعاد عن الكوخ ،لكي لا تشمّ الكلاب رائحتها ،وإلا حاسبوها حسابا عسيرا ،فالسّلطان، وأبناءه وحدهم من له الحقّ بدخول هذه الغابة المليئة بالطرائد …

يتبع الحلقة 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق