مقالات
قراءة في كتاب القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (9)
بقلم: د. محمّد طلال بدران -مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلاميّة-
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
مقدمة الكتاب (3)
نستمر معكم في مقدمة الكتاب مع العالم الفذ موريس بوكاي الذي يضيف ويقول: إذا كان لدى المسيحيين الأناجيل فإن المسلمين لديهم ما يشبه الأناجيل من حيث أنها مجموعة من الأقوال والأخبار لأفعال النبي محمد ﷺ، وليست الأناجيل بأكثر من هذا فيما يتعلق بعيسى -عليه السلام- فقد كُتبت الأحاديث بعد عشرات السنوات من موت محمد ﷺ مثلما كتبت الأناجيل بعد عشرات السنوات من انصراف المسيح -عليه السلام- إذًا فالأناجيل والأحاديث شهاداتٍ قد مضت.. وهناك فرق جوهري بين المسيحية والإسلام فيما يتعلق بالكتب المقدسة ونعني بذلك فقدان نصوص الوحي الثابتة لدى المسيحيين، في حين أن الإسلام لديه القرآن الذي هو وحي منزل وثابت معًا.
– أما الكتاب المسيحي المقدس فإنه يختلف بشكل بيّنٍ عما حدث بالنسبة للإسلام، فالإنجيل يعتمد على شهادات بشرية متعددة وغير مباشرة، وإننا لا نملك مثلا أي شهادةٍ لشاهد عيانٍ لحياة عيسى -عليه السلام- وهذا خلافًا لما يتصوره الكثير من المسيحيين، وهكذا إذن طُرحت مشكلة صحّة نصوص الكتب المقدسة المسيحية ونصوص الوحي الإسلامي.
– لقد كانت مقابلة نصوص الكتب المقدسة بحقائق العلوم موضوع تفكير الإنسان في جميع العصور، ففي البداية قيل ان اتفاق العلم والكتب المقدسة أمر لازم لصحة النص المقدس، وقد حدد القديس (أوغسطين) في خطابه الثاني والثمانين هذا المبدأ بشكلٍ حاسم، ولكن تطوُّر العلم كشف للمفكرين عن وجود نقاطِ خلافٍ بين الإثنين، وبهذه الطريقة خلق ذلك الوضع الخطير الذي جعل اليوم مفسري التوراة والأناجيل يناصبون العلماء العداء، ويضيف بالحرف الواحد: “إذ لا يمكن في الحقيقة أن نقبل بأن رسالة إلهية منزلة تنص على واقعٍ غير صحيح بالمرة”
– ويُضيف أنه من غير المعقول أن نقبل بنصٍ يخالف المعقول والمؤكد علميًا.. ويضيف: فقد تعصّب بعض رجال الدين المسيحي واليهودي وانحازوا للنص وإن خالف الحقائق العلمية واحتفظوا بتمام النص، وقد اضطر المفسّرون إزاء صحة الكتب المقدسة الى اتخاذ مواقف لا يمكن قبولها من قبل رجل العلم؛ -ولهذا السبب فقد أحدث ذلك الصراع بينهما بين رجال النّص ورجال العِلم من المسيحيين واليهود-… وللحديث بقية في مقالة الغد بمشيئة الله تعالى فكونوا على موعدنا المتجدد بارك الله فيكم.
– مقالة رقم: (1598)
02. ذو القعدة. 1445 هـ
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)