مقالات

التّحوّلات الرّقميّة وتأثيرها في اللّغة العربيّة

سارا ضاهر

في عصرنا الحالي، عصر السّرعة في التطوّر التي قد يعجز البعض عن مواكبتها، نشهد تحوّلات رقميّة سريعة في مختلف المجالات. ولمّا كانت اللّغة العنصر الأساسيّ للتّواصل بين البشر، ولم تعد محصورة بالنّاطقين بها فحسب، غلبت لغات مهيمنة، لا سيّما الإنكليزيّة، على ما عداها من اللّغات. وبما أنّ النّاطقين بالعربيّة يشكلّون قسمًا كبيرًا من العالم، وهم لا يقلّون اهتمامًا عن الآخر بكلّ تطوّر ومُحدث، فقد طالت التّحوّلات الرّقميّة اللّغة العربيّة.
ويُعتبر التّأثير الرّقميّ في لغتنا موضوعًا مهمًّا يتطلّب المتابعة والدّراسة لفهم تأثيراته وتحدّياته وسبل النّهوض به من أجل تواصل أكثر فعاليّة، مع الحفاظ على لغة الضّادّ من الانجراف في تيّار اللّغات المكتسحة. لذلك، سنتوقّف بداية عند بعض النّقاط التي تبيّن تأثير التّحوّلات الرّقميّة في اللّغة العربيّة، فنذكر منها:
 
– تأثير وسائل التّواصل الاجتماعيّ: أدّت وسائل التّواصل الاجتماعيّ دورًا كبيرًا في تغيير طبيعة اللّغة العربيّة، حيث نجد استخدامات جديدة للكثير من المصطلحات وتحوّلات في اللّغة المكتوبة والمنطوقة.
– التّأثير في اللّغة المكتوبة: شهدت اللّغة العربيّة تغييرات في القواعد اللّغويّة، نتيجة استخدام وسائل التّواصل الرّقميّة، مثل الاختصارات، واستعمال مفردات أجنبيّة باللّغة العربيّة، والرّموز.
– التّأثير في اللّغة المنطوقة: لقد أثّرت وسائل التّواصل الرّقميّة في التّهجئة وفي استخدام بعض الكلمات، فأصبح الفرد يميل إلى استخدام المفردات بلغتها الإنكليزيّة الصّرف أو بطريقة عربيّة (نقول مثلًا “لَيّكتِلَّك” أي وضعت لك لايك like)، نتيجة عدم قدرة اللّغة العربيّة على تعريب كلّ المفردات من جهة، وعدم قابليّة الكثير من المستخدمين على استخدام المفردات العربيّة، إن وُجدت، من جهة أخرى.
– تأثير التّكنولوجيا في التّعليم: من الأمور الإيجابيّة أنّ التّكنولوجيا توفّر فرصًا جديدة لتعلّم اللّغة العربيّة، مع وجود تطبيقات ومواقع تعليميّة تسهّل عمليّة التّعلّم والتّدريب.
غير أنّ اللّغة العربيّة تواجه تحدّيات تقنيّة مثل التّعرّف على الصّوت، والكتابة الآليّة بشكل صحيح نظرًا لتعقيدات اللّغة العربيّة.
إزاء هذا الواقع، وتماشيًا مع عصرنا الرّقميّ، أصبحت استراتيجيّات تخطيط اللّغة العربيّة أمرًا حيويًّا لمواكبة التّطوّرات التّكنولوجيّة وتلبية احتياجات المستخدمين العرب. من هذه الاستراتيجيّات نذكر:
– تطوير المحتوى الرّقميّ باللّغة العربيّة: يجب على المؤسّسات والمنظّمات الاستثمار في إنتاج محتوى عربيّ عالي الجودة ومتوافق مع الثّقافة والقيم العربيّة.
– تطوير تطبيقات ومنصّات التّواصل الاجتماعيّ باللّغة العربيّة: تسهّل هذه العمليّة التّواصل الفعّال والمباشر مع الجماهير العربيّة، وتعزّز استخدام اللّغة العربيّة على الإنترنت، الأمر الذي يسهم في تعزيز الهويّة اللّغويّة.
– تطوير أدوات التّعليم الرّقميّ: يمكن تطوير تطبيقات وبرامج تعليميّة تستهدف تحسين مهارات اللّغة العربيّة للمتعلّمين بفعّالية.
– توفير أدوات التّعلّم الإلكترونيّ باللّغة العربيّة:يساهم هذا الأمر في توسيع الوصول إلى المعرفة، وتحفيز المتعلّمين العرب على استكشاف المحتوى الرّقميّ بكلّ سهولة.
– تعزيز التّرجمة الآليّة باللّغة العربيّة: من خلال تطوير تقنيّات التّرجمة الآليّة، يمكن تقديم المحتوى الرّقميّ بطريقة سلسلة وفعّالة للمتكلّمين باللّغة العربيّة.
– تشجيع الابتكار في مجال التّكنولوجيا اللّغويّة:من خلال دعم الأبحاث والمشاريع التي تهدف إلى تطوير أدوات وتطبيقات تسهّل استخدام اللّغة العربيّة عبر الإنترنت والأجهزة الذّكيّة.
باستخدام هذه الاستراتيجيّات يمكننا تعزيز دور اللّغة العربيّة في العالم الرّقميّ، وتحقيق تجربة مستخدم ممتازة للمستخدمين النّاطقين باللّغة العربيّة في جميع أنحاء العالم. وهذه الاستراتيجيّات تتطلّب الاهتمام بعوامل عدة لضمان فعاليّة التّواصل وتحقيق التّأثير المرجوّ. نذكر من هذه العوامل:
– تحليل الجمهور المستهدف: يجب فهم احتياجات الجمهور المستهدف وما يفضّل بدقة، بما في ذلك لغته وثقافته اللّغويّة، وذلك لتخصيص المحتوى بشكل مناسب.
– استخدام أدوات التّحليل اللّغويّ: يمكن استخدام التّحليل اللّغويّ الآليّ لفهم هياكل اللّغة واستخدامها في السّياق الرّقميّ، ما يساعد على تحسين تصميم المحتوى وتعزيز فهمه.
– تنسيق المحتوى للسّياق الرّقميّ: من المهمّ تنسيق المحتوى اللّغويّ ليتناسب مع الوسائط الرّقميّة المختلفة مثل المواقع الإلكترونيّة، ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، والتّطبيقات الذّكيّة، وغيرها… مع الأخذ بالاعتبار قواعد التّصميم والتّفاعل.
– اعتماد استراتيجيّات تسويقيّة متعدّدة: يفترض تكييف استراتيجيّات التّسويق اللّغويّ مع السّياق الرّقميّ، بما في ذلك استخدام الكلمات الرّئيسيّة، والإعلانات المدفوعة، وإنشاء محتوى يجذب الجمهور المستهدف.
 
– تعزيز التّرجمة والتّعريب: يسهم توفير المحتوى بلغات متعدّدة والتّرجمة الفعّالة في وصول المعلومات إلى جمهور عريض من المستخدمين في مختلف الثّقافات واللّغات.
– متابعة التّطوّرات التّكنولوجيّة: يفترض مواكبة التّطوّرات التّكنولوجيّة الحديثة واستخدام الأدوات والتّقنيّات الجديدة لتحسين تجربة المستخدم وفعاليّة التّواصل اللّغويّ.
بالتّالي، للتّحوّلات الرّقميّة تأثير كبير في اللّغة العربيّة، مع وجود تحدّيات لا بدّ من التّوقّف عندها، لكن ثمّة استراتيجيّات تمكّن المنظّمات والأفراد من تعزيز تواصلهم وتحقيق أهدافهم بشكل أكثر فعاليّة وفاعليّة، وتتطلّب، بالمقابل، استجابة من الجهات المعنيّة للحفاظ على اللّغة العربيّة وتطويرها في العصر الرّقميّ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق