مكتبة الأدب العربي و العالمي

أميرة_الورد_وأميرها الجزء الرابع والأخير

جلست الملكة على الأرض وشرعت بالبكاء لأنها لم تتحمل روعة الموقف ..
بينما تقدم الملك وأخذ يدور حول وردة وهو يطالعها بفضول ثم سألها إن كانت أميرة؟؟ فأجابته بأنها أميرة الورد , فقال مستغربا :
وماذا يعني ذلك ؟؟ هل هنالك مملكة بهذا الإسم ؟؟
فتقدم سامر من أبيه وأخبره بإنه سيشرح له كل شيئ حالما يرتاحان من السفر..
ثم استأذن والديه ليأخذ وردة في جولةٍ في أروقة القصر , بيتها الجديد.. فذهبت وردة معه وهي مستمتعة ومفتونة بعالم البشر الذي تختبره لأول مرة..
أعجبها ذكاء البشر وتنظيمهم وإبداعاتهم العمرانية..
تلا ذلك, أن قام سامر بتقديمها لطاقم الخدم والوصيفات, وطلب منهن معاملة أميرتهن الجديدة ببالغ الحفاوة, وأن لا يتسببن بما يؤدي الى جرح شعورها على الإطلاق.. فوعدنه الوصيفات بأن يحملنها على كفوف الراحة, وأن يحفظنها في باطن عيونهن..
وفي الايام التالية..
كان سامر يصطحب حبيبته الجديدة في جولات مستمرة على ظهر الخيول الى ربوع البلاد ليريها معالم المملكة..
كان يحاول بذلك أن يزيد من افتتانها بعالم البشر حتى تنسى عالمها الذي جائت منه وتوافق على البقاء معه..
لكن وردة كلما مرت بتجمعات البشر حتى يعاودها ذلك الإحساس بالضيق والخوف من ردة فعلهم تجاهها , خصوصاً عندما يطالعونها بتلك النظرات المسعورة التي تُشعرها وكأنهم يريدون التهامها وهي حية..
فكانت تلتفت الى سامر وتطلب منه أن يعيدها الى القصر , فيمتثل لرغبتها ويعود بها..
وعندما طلب منها في احدى المرات الخروج من أجواء القصر , رفضت هي ذلك وأخبرته أنها تشعر بأمان أكثر داخل القصر.. فاحترم الامير رغبتها كذلك ولم يشأ أن يزعجها..
وعندما علم الملك من سامر قصة وردة وكيفية لقاءه بها , إستغرب غاية الإستغراب ولم يصدق في البداية.. لكنه بعد ملاحظته لطبيعة وردة وشدة جمالها , حتى أدرك استحالة أن تنتمي تلك الفتاة لهذا العالم..
وبما أن ابنه كان عاقد العزم على الزواج بها , فقد أخذ يعتقد أن سامراً ربما يكون مسحوراً بها , وأنها لن تناسبه..
وحدث أن اقتنع الملك برأي حكماء المملكة الذين أخبروه بأن طبيعة الروح القادمة من عالم الورود لن تتوافق مع عالمنا عالم البشر..
لذا فقد أمر الملك جميع أفراد حاشية البلاط من خدمٍ ووصيفات بأن لا يعاملوا وردة معاملة خاصة, بل يتعاملوا معها كأي فتاةٍ من العامة, ومن دون أدنى امتيازاتٍ أو تشريف..
وبسبب قيامه بواجباته كأمير , فأن سامر كان مضطراً الى ترك وردة لوحدها في القصر أحياناً كثيرة..
وهكذا وجدت وردة أن عالمها داخل القصر , قد صار يشبه تماماً العالم خارجه..
عيونٌ ملؤها الحسد تضايقها في كل رواقٍ تذهب إليه من أروقة ذلك القصر الكبير..
الخشونة والفظاظة في التعامل قد صارا يرافقانها حتى عندما تحاول الحصول على الطعام أو الخروج للتنزه في حدائق القصر , بالإضافة الى الإهمال المتعمد من الجميع بحقها..
صارت وردة تشعر بأنها منبوذة في هذا المكان.. فأخذ عالمها يصغر ويصغر حتى أضحت حبيسة غرفتها..
ولكنها رغم كل ذلك, فإنها لم تشتكي لسامر.. بل أخفت الامر عليه كي لا تُشعره بالأسى نحوها..
بالنسبة إليها , فقد كان وجود سامر الى جوارها هو كل ما تطمح إليه..
نظراته العطوفة, تذيب الأحزان من قلبها..
لمسته الساحرة, تبدد الهموم وتصفّي بالها..
ضحكاته الوديعة, تملؤها حيويةً وسعادة..
فماذا تريد أكثر من ذلك ؟؟.. هكذا كانت وردة تحدّث نفسها..
وعندما شعر الملك بازدياد الترابط بين سامر وحبيبته وردة, وأن القطيعة التي أحدثها قد جلبت نتيجة عكسية, قام با ستدعاء شقيقته عمة سامر , والتي ترغب وبشدة أن يتزوج سامر من ابنتها, وأعطاها مطلق الحرية في أن تتصرف وفق ما تراه مناسباً من أجل إبعاد وردة عن طريق ابنتها..
قامت العمة في البداية بالتقرب من وردة.. فعندما قابلتها أول مرة, أخذتها بالاحضان وهي تقول لها :
الله ما أروعكِ من فتاة..
ثم صارت العمة تغدق على وردة بكلمات المديح الرنانة كلما التقت بها , بل وتعمل على تنفيذ كل طلباتها..
فأخذت وردة ترتاح لها وتثق بها حتى صارت تتسلى بوجودها خصوصاً بعد مقاطعة البلاط لها..
وعندما استحكمت على صداقتها , أخذت العمة تستغل سذاجة وردة وطيبة قلبها في شحن صدرها ببعض الامور التي تعتقد العمة أنها ستوقع الخلافات بين وردة وسامر الى الدرجة التي ستجعل سامراً في النهاية يتخلّى عن وردة..
أمور من قبيل تعليمها أن تتدخّل في أدق خصوصيات سامر.. وأن تسأله كلما عاد الى القصر أين كان ؟؟ وماذا كان يفعل ؟؟ لأن العمة تعتقد أن تلك الامور تنرفز الرجال وتثير حفيظتهم..
بل وأخبرتها أن تكثر من الملح والفلفل في طعام الامير وكذبت عليها بأنه يحب ذلك..
وعندما فعلت وردة ما طلبت منها العمة, وجد سامر أن تدخّل وردة وسؤالها عنه, ما هو إلا زيادة اهتمام من قِبلها تجاهه, ودليل على حرصها وخوفها عليه.. فتعاظم حبها في قلبه أكثر وأكثر..
وحينما تذوّق الطعام الذي أفسدته بالملح والفلفل, لم يؤنبها أو يتذمر.. بل انفجر ضاحكاً وقبّل يديها وذهب معها الى المطبخ وعلّمها كيف يحب طعامه أن يكون.. ثم قاما بإعداد الطعام معا..
وهكذا وجدت العمة أن كل مؤامرة تحيكها لغرض الوقيعة بين الامير ومعشوقته, فإنها تنقلب لصالحهما وزيادةً في حبهما معا.. حتى استسلمت أخيراً وتخلت عن دسائسها..
وكان الملك قد أخبر الملكة عن حقيقة وردة.. فاقتنعت الملكة مثله في أن وردة لن تناسب ابنها.. فمهما كان جمالها وافتتان ولدها بها , فإن حقيقة كونها من عالمٍ آخر , تجعل من زواجها بسامر أمراً مستحيلاً من وجهة نظر الملكة..
فاستدعت الملكة شقيقتها خالة سامر وطلبت منها التخلص من وردة بأي طريقةٍ كانت.. المهم أن الملكة لا تريد أن ترى وردة في القصر بعد الآن.. ووعدتها أنها في حال نجحت في ذلك, فسترغم الامير على الزواج من ابنة تلك الخالة..
ولمّا كانت الخالة تتوق لرؤية الامير زوجاً لابنتها الوحيدة, فقد عملت حالاً على التقرب من وردة, ولم تكن تلك بالمهمة العسيرة, لأن وردة بقلبها الشفاف الطيب تميل الى مصادقة الجميع , لأنها ببساطة لا ترى الشر في الآخرين, بل تفترض بأنهم مثلها طيبون بالفطرة..
وبعد أن نجحت في كسب صداقتها , قامت الخالة بمثل ما قامت به العمة من قبل, فاكتشفت كما اكتشفت العمة أن ذلك لم ينفع في شيئٍ على الإطلاق..
لكنها وخلافاً للعمة, فإن الخالة لم تستسلم, فهي كانت ذات طبيعة شرانيّة ومصممة على التفريق بينهما وبأية طريقة, كما طلبت منها الملكة..
لذا قامت باستخدام الأسحار للتفريق بين الحبيبين ودست بعض التعاويذ في غرفتيهما.. كما قامت بإخضاع وردة لجلسة خاصة لغرض سحرها والتأثير عليها….
لكن السحر لم يؤثر في وردة, ولم يجد منفذاً لقلبها الطاهر.. فاستشاطت الخالة غضباً وقادها جنون اليأس الى أن تفكر في قتل وردة..
فالملكة طلبت منها التخلص من وردة بأي طريقة, ولم يتبقّى سوى طريق الدم..
لذا فقد أقدمت على أن تُسقي وردة شراباً مسموماً سقطت الفتاة على إثره على فراش المرض..
وعندما اكتشف الامير المسكين ما حلّ بوردته الجميلة, حتى ذهل وكاد أن يجن..
أحضر لها الاطباء لكنهم أخبروه أن الأوان قد فات, وأنه لا سبيل لبقائها على قيد الحياة..
حمل وردة ووضعها على فرسه, فهرع نحوه أبواه يسألانه الى أين سيذهب؟؟ فقال بدموعٍ جارية :
لقد حاولت وردة إخباري بأن هذا العالم لا يناسبها.. لا يتناسب مع نقائها ولا يريد محبتها.. ولكني أنا الاحمق كنتُ مصمماً على أن أجلبها الى هنا , ظناً مني بأني سأنجح في جعلها تتناسب مع عالمنا..
قالت الأم :
إن قلبها الصغير لم يتحمل الامر..
رد سامر :
أنتي مخطئة أيتها الملكة.. فقلب وردة كبير جداً ويحمل من الحب ما بإمكانه أن يتحمل الدنيا بأسرها..
المشكلة ليست في وردة, بل في قلوب الآخرين الصغيرة وعقولهم الضيقة..
الوداع يا أمي.. الوداع يا أبي..
وبتلك الكلمات غادر سامر المملكة حاملاً في أحضانه وردة التي أخذت بالذبول إيذاناً برحيلها عن الحياة..
إستمر سامر بالجري على فرسه بلا انقطاع حتى بلغ خيمة المرأة العجوز , فوجد عندها رهطاً من الرجال والنسوة العجائز.. فأنزل وردة أمامهم ثم توسل بالعجوز أن تفعل شيئاً ما لإنقاذها..
نظرت المرأة الى وردة وهي تجود بنفسها وقالت :
أخبرتك أنها ستذبل وتموت في عالمك يا فتى.. وبأنك لن تستطيع مداراتها طوال الوقت..
رد سامر بأسى :
أعدكِ بأني سأتفرغ لها كلياً هذه المرة, ولن أتركها لوحدها بعد الآن..
تنهدت العجوز وقالت :
أرجو أن تنتهي الامور الى خير هذه المرة..
ثم التفتت الى سامر وأضافت :
هنالك طريقة واحدة لإنقاذها ولكنني لست متأكدة إن كانت ستنجح.. فالطريقة قديمة بقِدَم الزمن وما عاد لها واقعٌ بعد الآن.. إنها ببساطة طريقة الحب..
تسائل سامر :
طريقة الحب؟؟
أشارت العجوز الحكيمة الى قمة جبلٍ وقالت :
عليك أن تأخذ فتاتك وتبيت معها في قمة ذلك الجبل, وحاول أن لا تقدم لها شيئاً في تلك الليلة سوى الحب, والحب وحده..
أفض عليها من حبك.. دعها تستيقن بأنك تحبها حقا.. فإن هي شعرت بحبك, فسيعمل ذلك الحب على التغلب على المرض..
فإذا طلع الفجر وعاشت, فهنيئاً لكما السعادة الابدية, لأنها ستكون قد قبلت بحبك ورضيت بك..
قال سامر :
سأفعل ذلك, نعم سأفعل.. ولكن قبل ذلك أريد منكِ يا سيدتي أن تقومي بتزويجنا معا.. أريدها أن تصبح زوجتي قبل أن نبيت سوية على ذلك الجبل..
إبتسمت المرأة وقالت :
أحسنت يا ولدي.. هذه أول خطوة نحو نجاح الطريقة..
ثم أشارت العجوز الى أحد الرجال أن يتصدى لتزويجهما معا , وأن يقوم البقية بالشهود على هذا الزواج..
فسأل ذلك الرجل وردة إن كانت تقبل بسامر زوجاً لها , ففتحت الفتاة عينيها رغم آلامها وأومأت بالإيجاب وهي مبتسمة.. فتمسك سامر بكفها وقبّله.. ثم حمل زوجته على ظهره وانطلق فوراً نحو قمة الجبل حتى بلغه بعد مشقة..
وهناك على القمة, بات الزوجان ليلتهما الأولى سويةً مع بعض..
ليلةٌ قضاها سامر وهو يضع زوجته في حجره يمسح على شعرها وخديها ويقول :
وردتي الجميلة, أرجوكِ لا تفارقيني وابقي معي..
فتحاول هي جاهدةً أن تنظر إلى عينيه, تصغي لكلماته وتنعم بدفئ أحضانه..
يخبرها كم هو يحبها فتخبره إن كان يذكر لحظاتهما معاً على البحر , وأنها باتت تشعر الآن كم هو عميقٌ حبه لها..
ثم يغرقان بالبكاء وهما متماسكان بشدة كأنه يخشى أن ترحل على حين غفلةٍ منه..
الجميع في اسفل الجبل اعتقد أن هذه الليلة هي ليلة وردة الاخيرة في هذا العالم, لذا فقد تأسفوا لحالها وحال زوجها المسكين..
لكن المرأة العجوز طلبت منهم أن يكونوا متفائلين وأن ينشروا روح التفاؤل حول الجبل لعل المعجزة تحدث وينتصر الحب في النهاية..
.
.بقي الزوجان على تلك الحال حتى تغلب سلطان النوم على سامر المرهق فانقاد الى غفوةٍ لابد منها..
وعندما طلع الفجر , شعر الفتى بأنفاسٍ عطرة تدغدغ وجهه..
فتح عينيه و يا للمفاجأة !!! إنها وردة تقف على ساقيها وتنحني نحوه وقد زال شحوبها وامتلئ وجهها نضارةً وحيوية, وهي تنظر إليه بابتسامةٍ مذهلة يتدفق منها كل خيرٍ ومحبة..
غمر سامر شعور لا يصدق بالفرح والسعادة, فقفز على زوجته يقبّل رأسها ويديها ويحمد الله تعالى على نجاتها..
فبادلته هي بالمثل وفرحت لفرحه وشكرته على البقاء الى جنبها وعدم التخلي عنها حتى آخر لحظة..
فأخبرها أن حبه لها هو من ساعده على ذلك.. فأثنت هي على حبه الكبير وقالت :
أنا محظوظة بك يا أميري, أنت بالنسبة لي عالمي وكل دنياي..
قال هو :
أنا آسف يا وردة لأني لم أكن الى جنبكِ طوال الوقت.. من الآن فصاعداً لن أتخلى عنكِ حتى لو اضطرني ذلك الى هجر مملكتي..
قالت :
ولكنهم أهلك وقومك يا سامر..
قال :
قومي هم من حاولوا قتلكِ يا حبيبتي, وأخشى أنهم لن يتوقفوا عند هذا الحد..
وبينما هما كذلك, وإذا بسامر يبصر عدداً من الفرسان قادمين نحو الجبل.. ثم قام اولئك الفرسان بالتخييم قرب سفح الجبل..
وبعد لحظات, تفاجئ سامر بشقيقه الاوسط وهو يصل الى قمة الجبل.. فلما شاهد سامر قال له :
أخي سامر.. لقد حضر هؤلاء الفرسان بقيادة شقيقنا الاكبر لغرض قتل وردة وإعادتك الى المملكة, لأن أهلنا يعتقدون بأنها قد سحرتك وأبعدتك عنا..
لكنني انفصلت عنهم وتقدمت عليهم حتى أصل إليك قبلهم وأحذرك منهم.. فماذا أنت فاعلٌ يا أخي العزيز ؟؟
وضع سامر يده على كتف شقيقه وشكره على تحذيره..
ثم التفت الى وردة فشاهدها وهي تذرف الدموع وتقول :
سامر.. أعدني الى الكهف يا سامر..
قال هو :
الكهف؟؟ فكرة جيدة يا وردة , إنه مكان جيد للإختباء..
إصطحب سامر زوجته الى الكهف الذي وجدها فيه وهو لا يعلم بأنها كانت قد قررت أمراً آخر , وليس مجرد الإختباء..
فحالما دخلت هي الكهف, حتى اتجهت نحو وردتها الحمراء التي خرجت منها , فجلست عندها تتلمّس تويجاتها.. ثم قالت لسامر دون أن تلتفت إليه :
لم يعد لي مكانٌ في هذا العالم يا سامر..
إستغرب الفتى فقال :
وردة ؟؟ أنتي تخيفيني يا فتاة.. ماذا تقصدين بربكِ؟؟
هنا توهّجت وردة وبشدة, فالتفتت الى سامر وقد احمرّت عيناها بكاءاً وقالت :
سامر.. عد الى عالمك.. أما أنا , فسأعود الى خاصتي.. الوداع يا أميري الحبيب.. لا تنسَ بأني أحببتك وبكل وجداني..
ثم وقفت الفتاة وسط الوردة الحمراء الكبيرة فاحتضنتها النبتة بتويجاتها وأغلقت عليها..
أعقب ذلك أن صار حجم الوردة يتضائل رويداً رويدا , حتى عادت لتصبح وردة حمراء صغيرة كباقي الورود.. أما الفتاة وردة, فقد عادت لعالمها عالم الورود وما عاد لها في هذا الكون من أثر..
بعد أن شاهد سامر ما حصل, ركض نحو الوردة الصغيرة حتى جلس أمامها وصار يتلمسها بأنامله وهو يسكب الدموع ويخاطبها بالقول :
حبيبتي لِمَ فعلتي ذلك ؟؟ لِمَ رحلتي تاركةً إياي لوحدي في هذا العالم ؟؟
وما زال يخاطبها بتلك الكلمات ونحوها حتى دخل عليه أخيه الاوسط فشاهده وهو بتلك الحالة يرثي زوجته الراحلة, فحاول إقناعه بالنهوض والعودة معه الى المملكة, لكن سامر رفض أن يتزحزح عن مكانه, فمكث يطالع الوردة الحمراء حيث توارت زوجته, وعبراته تسكب بلا انقطاع..
هنا فكّر أخوه بأن يذهب الى أخيهما الاكبر ويحضره الى هنا عسى أن يساعده في حث سامر على العودة معهم.. فذهب نحو سفح الجبل والتقى بأخيه هناك وشرح له ما جرى فطلب منه الاخ الاكبر أن يدلّه على مكان الكهف..
لكن عندما أراد الاخ الاوسط العودة الى الكهف وإذا به ينسى مكانه.. فبحث وبحث وحاول جاهداً الإستدلال على مكانه فلم يفلح.. حتى أعياهما التعب.. فجلسا يستريحان وقد مضى من النهار معظمه..
وبينما هما كذلك, وإذا بهما يلتقيان بالمرأة العجوز , فتوسلا بها أن تدلهما على كهف الورود الحمراء..
فقادتهما المرأة حتى بلغوا الكهف المقصود , فسارع الاخ الاوسط نحو الوردة التي كان سامر يبكي عندها لكنه لم يجده, بل وجد مكانه تماماً في المكان الذي كان يجلس فيه وردةً بيضاء.. بدا وكأنها تميل بحنان نحو الوردة الحمراء وتلتف حولها وتتشابك معها..
قال الاخ الاوسط :
ما هذا ؟؟ أين هو سامر؟؟
عندما شاهدت العجوز منظر الوردتين, جلست على الارض وقد دمعت عيناها ثم قالت :
إنه أخوكما..
إلتفت إليها الشقيقان وسألاها عمّا تقصده فأجابت :
الوردة البيضاء, إنه أخوكما سامر……. ياااااه ما أروع حبهما.. فلقد رفض أن يتخلى عن حبيبته الى درجة أنه قد لحق بها الى عالمها..
لا تسألاني كيف استطاع فعل ذلك فلستُ أدري.
كل ما أريد قوله أنني قد أصبحتُ أؤمن أن الحب يصنع المعجزات, وبأن أخيكما سامر يمتلك قلباً شفافاً للغاية بحيث جعله مؤهلاً ليرتقي الى عالم الورود اللطيف..
بعد أن سمع الشقيقان كلام العجوز ورؤية ما صار إليه سامر , إستغرقا هما أيضاً بالبكاء على أخيهما حتى قال الشقيق الأوسط :
لو لم أنسَ مكان الكهف فلربما استطعت إدراكه قبل أن يرحل..
قالت العجوز :
هذا قَدَرُهُ يا بني.. لا شيئ يحدث في هذا العالم دون سبب..

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق