مقالات

نفحةٌ كونِيَّة.. رياض الصالح

بدأت أجفانه تتمطى بطريقة عشوائية.. و تتلوى يمنة و يسرة تغمرها نشوة مبهمة الملامح .. ترنحت قليلاً.. فاستندت على ما وجدته صدفة من شبه تركيز وقعت عليه .. لتخوض رجفة فتح العينين .. و مع استقبال أوائل إشعاعات الحياة.. تنهال في جوفه بانسياب رقيق .. و تملأ شقوق ذلك القلب المتفسخ .. لتحييه من جديد .. لينبض بأول سؤال يطرق بابه.. بخفّة .. يقول .. كم لبثت ؟
تعجب من براءة السؤال الطفولية .. لكنه يتوافق مع عمر تلك النبضة .. لم يجد مانعاً من إمتاعها بجواب يشبع به فضولها الناعم .. قال .. لبثت في غيبتي .. ما يلبثه إقبال النبضة الثانية بعدك يا جميلتي .. أو لحظة ارتداد الطرف بعد غمضةٍ ساهية .. أو همسة شهقة الروح عندما تدب في جسد شبه ميت ..
كانت تستمع له بإنصات مشفق .. ترددت كثيراً قبل أن تقرر ضرورة إطلاعه على الحقيقة.. فقد كانت تتمنى له فهماً دقيقاً للموقف.. يرافقه .. و يرشده .. خلال رحلته الجديدة .. في دروب السعادة .. يكفيه ما قد عانى قبل ذلك .. كانت تخشى أن تتغلب عليه الذكريات التي هزمها بالنكران .. هي تعلم .. أن ما حصل معه لا يمت للنسيان بأية صلة .. إنما هو النكران .. موت طوعي للذكريات .. نفي تعسفي للذات إلى غياهب الخفاء .. دهشة جنونية ستغطي ملامح شخصيته الجديدة .. و ابتسامة جامدة سترتسم على ملامحه .. إذا لم يدرك الحقيقة .. ستختفي الدموع .. و تنضب المشاعر .. و تغيض أرض الواقع الهلامي بماء روح الحياة .. سيكون مجرد صنم شمعي مصنوع بإتقان .. لكنه .. فارغ مثل الفضاء .. ظلام دامس .. و صمت بليغ .. و غموض يكتنف عوالم النجوم و المجرات .. لن يكون بعد اليوم .. كما لا بد له أن يكون .. فلا بد من صدمة اليقظة .. و صعقة الإحياء .. ليسري جمال الروح في لوحته الطبيعية .. لا أن تكون مجرد رسمة يعلوها غبار الادّعاء و التشَبُّه …
قالت .. أيها الجميل .. بل لبثت في عذابٍ .. ألف عام .. و دهراً من الآلام .. و أحقاباً من الهموم و الأسقام .. لقد كانت النكسات تتوالى على غشائك السماوي كالطوارق الثاقبة .. فانظر إلى هشيمك المتناثر حولك .. لم يتلملم .. و انظر إلى سرابك الهزيل لا يزال عظمه مهشم .. و جرحه مسمم .. لا يزال كما هو.. لم يكسه لحن الحياة .. و لم يداويه مرهم .. لا تزال يا هذا وليد لحظة من لحظات الصفاء الكونية.. نفخت في ثناياك نسمة روحية .. فدبت في مرابعك الحياة.. و غيبت من ذاكرتك عَكَراتُ الوطيس الذي حمي فيك معارك طوالاً .. لا بد أنك الآن تخوض في شعور غريب عليك .. تلامسُ المتناقضات .. مشاعر الحزن السعيد .. و تتلقى ضربات المشتاق الباكي لحظة اللقاء .. مشاعر تشبه ألوان الربيع البدائية بعد شتاءٍ صارم.. ستكون يا عزيزي.. لمن خلفك آية …
قال و ما هي آيتي .. قالت .. آيتك ألا تُكلّمَ الناسَ ثلاثة أسرار سويّا .. سرُّ التنعّم.. بما جاد به عليك .. و سرُّ التعلُّمِ .. كيف تحمي نفحاتِ روحك التي اشتعلت.. من رياح اليأس .. و من عواصف الخذلان .. و صفعات الدهر .. و سرُّ قَبولِ المكافآتِ .. بلا تعَجُّب..يا هذا .. فكما يعاقَبُ المجرمون .. يكافؤ الطيبون .. لقد عادت إليك روحك .. فُتِح لك بابُ العطاء ..و لعلك لا تعلم السبب .. فلا تسأل .. فإنه إذا وهب .. لا يُسأَلَنَّ عن السبب ..

# بقلم
# رياض الصالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق